فصل
ثم بعد التعوذ يقرأ ، وللمصلي حالان :
أحدهما : أن يقدر على قراءة الفاتحة ، والثاني : لا يقدر .
فأما القادر ، فيتعين عليه قراءتها في القيام ، أو ما يقع بدلا عنه ، ولا يقوم مقامها ترجمتها ولا غيرها من القرآن ،
ويستوي في تعين الفاتحة الإمام والمأموم والمنفرد ، في السرية والجهرية .
ولنا قول ضعيف ؛ أنها لا تجب على المأموم في الجهرية .
ووجه شاذ : أنها لا تجب عليه في السرية أيضا .
فإذا قلنا : لا يقرأ المأموم في الجهرية ، فلو كان أصم أو بعيدا لا يسمع قراءة الإمام لزمته القراءة على الأصح .
ولو جهر الإمام في السرية أو عكس فالأصح وظاهر النص أن الاعتبار بفعل الإمام .
والثاني : بصفة أصل الصلاة ، وإذا
لم يقرأ المأموم ، هل يستحب له التعوذ ؟ وجهان ؛ لأنه ذكر سري .
قلت : الأصح لا يستحب ، لعدم القراءة . والله أعلم .
وإذا قلنا يقرأ المأموم في الجهرية ، فلا يجهر بحيث يغلب جهره ، بل يسر
[ ص: 242 ] بحيث يسمع نفسه لو كان سميعا ، فإن هذا أدنى القراءة ، ويستحب للإمام على هذا القول : أن يسكت بعد الفاتحة قدر قراءة المأموم لها .
واعلم أن
الفاتحة واجبة في كل ركعة إلا في ركعة المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا فإنه لا يقرأ في ركعته وتصح ، وهل يقال يحملها عنه الإمام أم لم تجب أصلا ؟ وجهان ، قلت أصحهما الأول . والله أعلم .
فرع :
(
بسم الله الرحمن الرحيم ) آية كاملة من أول الفاتحة بلا خلاف ، وأما باقي السور ، سوى ( براءة ) فالمذهب أنها آية كاملة من أول كل سورة أيضا ، وفي قول أنها بعض آية ، وقيل قولان : أحدهما ليست بقرآن في أوائلها ، وأظهرهما : أنها قرآن ، والسنة : أن تجهر بالتسمية في الصلاة الجهرية في الفاتحة ، وفي السورة بعدها .
فرع :
تجب
قراءة الفاتحة بجميع حروفها وتشديداتها . فلو أسقط منها حرفا ، أو خفف مشددا ، أو أبدل حرفا بحرف ، لم تصح قراءته ، وسواء فيه الضاد وغيره .
وفي وجه لا يضر إبدال الضاد بالظاء ، ولو لحن فيها لحنا يحيل المعنى كضم تاء ( أنعمت ) أو كسرها ، أو كسر كاف ( إياك ) لم يجزئه ، وتبطل صلاته إن تعمد ، ويجب إعادة القراءة ، إن لم يتعمد ، وتجزئ بالقراءات السبع .
وتصح بالقراءة الشاذة ، إن لم يكن فيها تغيير معنى ، ولا زيادة حرف ، ولا نقصانه .
[ ص: 243 ] فرع :
يجب
ترتيب في قراءة الفاتحة . فلو قدم مؤخرا ، إن تعمد ، بطلت قراءته وعليه استئنافها ، وإن سها لم يعتد بالمؤخر ، ويبني على المرتب إلا أن يطول فيستأنف القراءة ، ولو أخل بترتيب التشهد ، نظر ، إن غير تغييرا مبطلا للمعنى ، لم يحسب ما جاء به ، وإن تعمده بطلت صلاته ، وإن لم يبطل المعنى أجزأه على المذهب ، وقيل فيه قولان .
وينبغي أن يقال في الفاتحة أيضا : إن غير الترتيب تغييرا يبطل المعنى ، بطلت صلاته كالتشهد .
فرع :
تجب
الموالاة بين كلمات الفاتحة ، فإن أخل بها فله حالان : أحدهما : أن يكون عامدا ، فينظر ، إن سكت في أثناء الفاتحة ، أو طالت مدة السكوت ، بأن يشعر بقطعه القراءة أو إعراضه عنها مختارا ، أو لعائق ، بطلت قراءته ، ولزم استئنافها على الصحيح .
وعلى الشاذ المنقول عن العراقيين : لا تبطل . فإن قصرت مدة السكوت ، لم يؤثر قطعها ، وإن نوى قطع القراءة ولم يسكت لم تبطل قطعا .
وإن نوى قطعها وسكت يسيرا ، بطلت قراءته على الصحيح الذي قطع به الأكثرون .
ولو
أتى بتسبيح أو تهليل في أثنائها أو قرأ آية أخرى بطلت قراءته ، قل ذلك أم كثر . هذا فيما لا يؤمر به المصلي . فأما ما أمر به في الصلاة ، ويتعلق بمصلحتها ، كتأمين المأموم لتأمين الإمام ، وسجوده للتلاوة ، وفتحه عليه القراءة ، وسؤاله
[ ص: 244 ] الرحمة عند قراءته آيتها ، والاستعاذة من العذاب عند قراءة آيته ، فإذا وقع في أثناء الفاتحة لم تبطل الموالاة على الأصح .
وهذا تفريع على الصحيح في استحباب هذه الأمور للمأموم ، وعلى وجه : لا يستحب ، ولا يطرد الخلاف في كل مندوب ، فإن الحمد عند العطاس مندوب وإن كان في الصلاة ، ولو فعله ، قطع الموالاة ، ولكن يختص بالمندوبات المختصة بالصلاة لمصلحتها .
الحال الثاني : أن يخل بالموالاة ناسيا ، وتقدم عليه ، أن
من ترك الفاتحة ناسيا ، فيه قولان .
المشهور الجديد : أنه لا يجزئه ، ولا يعتد له بتلك الركعة . بل إن تذكر بعد ما ركع ، عاد إلى القيام وقرأ ، وإن تذكر بعد قيامه إلى الركعة الثانية ، صارت ( الثانية ) أولاه ، ولغت الأولى .
والقديم : أنه تجزئه صلاته ، وأما ترك الموالاة ناسيا ، فالصحيح الذي اتفق عليه الجمهور ، ونقلوه عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : أنه لا يضر ، وله البناء ، سواء قلنا : يعذر بترك الفاتحة ناسيا ، أم لا .
ومال إمام الحرمين ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ، إلى أن الموالاة تنقطع بالنسيان إذا قلنا : لا يعذر به في ترك الفاتحة .