صفحة جزء
فصل

في الاعتدال عن الركوع :

وهو ركن لكنه غير مقصود لنفسه ، والاعتدال الواجب : أن يعود بعد ركوعه إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع ، سواء صلى قائما ، أو قاعدا .

فلو ركع عن قيام فسقط في ركوعه ، نظر ، إن لم يطمئن في ركوعه لزمه أن يعود إلى الركوع ويطمئن ، ثم يعتدل منه .

وإن كان اطمأن ، فيعتدل قائما ويسجد ، ولو رفع الراكع رأسه ، ثم سجد وشك هل تم اعتداله ؟ وجب أن يعتدل قائما ، ويعيد السجود .

[ ص: 252 ] واعلم أنه تجب الطمأنينة في الاعتدال ، كالركوع .

وقال إمام الحرمين : في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء ، وفي كلام غيره ما يقتضي ترددا فيها ، والمعروف الصواب وجوبها .

ويجب أن لا يقصد بارتفاعه شيئا آخر . فلو رأى في ركوعه حية ، فرفع فزعا منها لم يعتد به .

ويجب أن لا يطول الاعتدال ، فإن طوله ، ففي بطلان صلاته خلاف يذكر في باب سجود السهو ، إن شاء الله تعالى ، ويستحب عند الاعتدال رفع اليدين حذو المنكبين ، على ما تقدم من صفة الرفع ، ويكون ابتداء رفعهما ، مع ابتداء رفع الرأس .

فإذا اعتدل قائما حطهما ، ويستحب أن يقول في ارتفاعه للاعتدال : سمع الله لمن حمده . فإذا استوى قائما ، قال : ربنا لك الحمد ، أو : ربنا ولك الحمد ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد .

يستوي في استحباب هذين الذكرين الإمام والمأموم والمنفرد ، ويستحب لغير الإمام وله إذا رضي القوم أن يزيد ، فيقول : أهل الثناء والمجد ، حق ما قال العبد ، كلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، ويكره للإمام هذه الزيادة إلا برضاهم .

قلت : هكذا يقوله أصحابنا في كتب المذهب : حق ما قال العبد ، كلنا لك عبد ، والذي في ( صحيح مسلم ) وغيره من كتب الحديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يقول : أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد . بزيادة ألف في ( أحق ) وواو في ( وكلنا ) وكلاهما حسن . لكن ما ثبت في الحديث أولى .

قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : ولو قال من حمد الله : سمع له ، بدل : سمع الله لمن حمده ، أجزأه ، ولكن الأولى : سمع الله لمن حمده .

قال الشافعي والأصحاب : يقول في الرفع : ربنا لك الحمد ، وإن شاء قال : اللهم ربنا لك الحمد ، أو : لك الحمد ربنا .

والأول أولى . قال صاحب ( الحاوي ) : يجهر الإمام بـ : سمع الله لمن حمده ، ويسر بـ : ربنا لك الحمد ، ويسر المأموم بهما [ ص: 253 ] جميعا ، ولو أتى بالركوع الواجب ، فعرضت علة منعته الانتصاب ، سجد من ركوعه ، وسقط الاعتدال ، لتعذره . فلو زالت العلة قبل بلوغ جبهته للأرض وجب أن يرتفع وينتصب قائما ويعتدل ، ثم يسجد ، وإن زالت بعد وضع جبهته على الأرض ، لم يرجع إلى الاعتدال ، بل سقط عنه ، فإن خالف ، فعاد إليه قبل تمام سجوده ، فإن كان عالما بتحريمه ، بطلت صلاته ، وإن كان جاهلا لم تبطل ويعود إلى السجود .

قال صاحب ( التتمة ) : ولو ترك الاعتدال عن الركوع والسجود ، في النافلة ، ففي صحتها وجهان ، بناء على صلاتها مضطجعا مع قدرته على القيام . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية