[ ص: 131 ] الفصل الثاني : في
بيان التبرع المحسوب من الثلث ، وهو إزالة الملك عن مال مجانا ، كالهبة والوقف ، والصدقة ، وغيرها .
قلت : ينبغي أن يضم إليه ما يتناول التبرع بالكلب وسائر النجاسات ، وبالمنفعة التي تصح الوصية بها ، فيقال : إزالة الاختصاص عن مال ونحوه . - والله أعلم - .
وفيما يدخل في الضابط ويخرج ، مسائل .
إحداها :
ما يستحق عليه من ديون الله تعالى كالزكاة ، وحجة الإسلام ، وديون الآدميين ، تخرج بعد موته ، وتكون من رأس المال أوصى بها أو لم يوص . وقيل : إذا أوصى بها ، حسبت من الثلث ، وهو ضعيف ، وهذا الذي نوجبه ، من رأس المال بلا خلاف إذا لم يوص هو فيما وجب بأصل الشرع ، كالزكاة ، وحجة الإسلام . وأما الكفارات ، والنذور ، ففيها خلاف سيأتي في الباب الثاني - إن شاء الله تعالى - .
فرع
لو قضى في مرضه ديون بعض الغرماء لم يزاحمه غيره إن وفى المال بجميع الديون ، وكذا إذا لم يف على الصحيح المعروف .
[ المسألة ] الثالثة :
البيع بثمن المثل نافذ من رأس المال سواء باع للوارث ، أم لغريمه ، أم لغيرهما . وإن باع بمحاباة ، فإن كانت يسيرة يتسامح بمثلها كان كالبيع بثمن المثل ، وإن كانت أكثر من ذلك ، فإن كانت لوارث ، فهي وصية لوارث ، وإلا فمعتبرة من الثلث . فإن لم تخرج من الثلث ، فإن أجاز الوارث ، نفذ البيع في الكل ،
[ ص: 132 ] وإلا بطل فيما لا يخرج ، وفيما يخرج طريقان سبقا . وإذا لم تبطل ، ففي كيفية صحة البيع قولان . وقد سبق كل هذا في " باب تفريق الصفة " . ثم المحاباة المعتبرة من الثلث ما تزيد على ما يتغابن بمثله ، ذكره
الحناطي ،
وأبو منصور . هذا كله إذا باع بثمن حال ، فإن باع بمؤجل ، ولم يحل حتى مات ، اعتبر من الثلث سواء باع بثمن المثل أو أقل أو أكثر لما فيه من تفويت اليد على الورثة . وتفويت اليد ملحق بتفويت المال . ألا ترى أن الغاصب يضمن بالحيلولة كما يضمن بتفويت المال ، فليس له تفويت اليد عليهم ، كما ليس له تفويت المال . فإن لم يخرج من الثلث ، ورد الوارث ما زاد ، فالمشتري بالخيار بين فسخ البيع والإجازة في الثلث بثلث الثمن . فإن أجاز ، فهل يزيد ما صح فيه البيع إذا أدى الثلث ؟ فيه وجهان حكاهما في " التهذيب " . أصحهما : لا ، لانقطاع البيع بالرد . والثاني : نعم ; لأن ما يحصل للورثة ينبغي أن نصحح الوصية في مثل نصفه . فعلى هذا يصحح البيع في قدر نصف المؤدى ، وهو السدس ، بسدس الثمن . فإذا أدى ذلك السدس ، زيد بقدر نصف النصف ، وهكذا إلى أن يحصل الاستيعاب .
[ المسألة ] الثانية :
نكاح المريض صحيح فإن نكح بمهر المثل أو أقل ، فهو من رأس المال ، كما لو اشترى شيئا بثمن مثله ، وإن كان بأكثر من مهر المثل ، استحقت مهر المثل ، والزيادة تبرع على الوارث . وقد سبق حكمه . فإن لم تكن وارثة ، كالذمية ، والمكاتبة ، فالزيادة محسوبة من الثلث . فإن خرجت منه ، نفذ التبرع بها . ولو ماتت الزوجة قبله ، فإن كانت الزيادة تخرج من الثلث ، سلمت لها ، لأنه لا يلزم الجمع بين التبرع والميراث . وإن لم تخرج ، دارت المسألة ، ونذكرها في باب الدور - إن شاء الله تعالى - .
[ ص: 133 ] فرع
لو
نكحت المريضة بأقل من مهر المثل ، فالنقصان تبرع على الوارث ، فللورثة رده وتكميل مهر المثل . فإن لم يكن وارثا ، بأن كان عبدا ، أو مسلما وهي ذمية ، لم يكمل مهر المثل ، ولم يعتبر هذا النقص من الثلث . وإنما جعل ذلك وصية في حق الوارث ، ولم يجعل وصية في الاعتبار من الثلث ؛ لأن المريض إنما يمنع من تفويت ما عنده ، وهذا ليس بتفويت ، إنما هو امتناع من الكسب . وأيضا فإن المنع فيما يتوهم بقاؤه للوارث وانتفاعه به ، والبضع ليس كذلك . هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور . وفي " التتمة " : أنه يعتبر من الثلث ، وفرق بينه وبين ما إذا أجر نفسه بأقل من أجرة المثل - فإنه لا يعتبر من الثلث مع أن كل واحد منهما لا يبقى للورثة - بفرقين . أحدهما : أن النكاح بغير ذكر مهر يقتضي مهر المثل ، فإذا تزوجت بدونه ، فكأنها أسقطته بعد وجوبه ، فصار كالإبراء . والثاني : أن المحاباة في المهر فيها نوع عار على الورثة ، فأثبت لهم ولاية رفعها ، بخلاف الإجارة .
قلت : هذان الفرقان ضعيفان جدا . وكذا الحكم الذي ادعاه وشذ به . - والله أعلم - .
[ المسألة ] الرابعة :
إجارة الدواب والعبيد وسائر الأموال بما دون أجرة المثل ، معتبرة من الثلث . وكذلك إعارتها . حتى لو انقضت مدة الإجارة أو الإعارة في مرضه ، واسترد العين ، اعتبر قدر المحاباة في مسألة الإجارة وجميع الأجرة في الإعارة من الثلث . ولو أجر نفسه بمحاباة ، أو عمل لغيره متبرعا ، لم يحسب من الثلث على الأصح .
[ ص: 134 ]
[ المسألة ] الخامسة :
كاتب في مرضه عبدا ، أو أوصى بكتابته ، تعتبر قيمته من الثلث سواء كاتبه بقيمته ، أو أقل ، أو أكثر . ولو كاتب في الصحة ، واستوفى النجوم في مرضه ، لم تعتبر قيمته من الثلث . ولو أعتقه في مرضه ، أو أبرأه من النجوم اعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمته أو النجوم .
[ المسألة ] السادسة :
الاستيلاد في المرض لا يعتبر من الثلث ، كما يستهلكه من الأطعمة اللذيذة ، والثياب النفيسة ، ويقبل إقرار المريض بالاستيلاد لقدرته على إنشائه ، ولا تعتبر قيمتها من الثلث .
[ المسألة ] السابعة :
قال لعبده : أنت حر قبل مرض موتي بيوم أو شهر ، ثم مرض ومات ، لم يعتبر من الثلث . وإن قال : قبل موتي بشهر ، فإن نقص مرضه عن شهر ، فكذلك الجواب ، وإلا ، فهو كما لو علق عتق عبده في الصحة ووجدت الصفة في المرض ، وفيه قولان .
فرع
باع بمحاباة ، بشرط الخيار ، ثم مرض وأجاز في مدة الخيار . إن قلنا : الملك في زمن الخيار للبائع ، فقدر المحاباة من الثلث ، وإلا فلا ؛ لأنه ليس بتفويت ، بل امتناع من كسب ، فصار كما لو أفلس المشتري والمبيع قائم عنده ومرض البائع فلم يفسخ ، وكما لو أمكنه فسخ النكاح بعيبها فترك حتى مات واستقر المهر ، فإنه لا يحسب من الثلث . وكذا لو
اشترى بمحاباة ، ثم مرض ووجد بالمبيع عيبا ، ولم يرد مع الإمكان ، لا يعتبر قدر المحاباة من الثلث . ولو وجد العيب ، وتعذر الرد بسبب ، فأعرض عن الأرش ، اعتبر قدر الأرش من الثلث .
[ ص: 135 ] وقدر المحاباة في الإقالة يعتبر من الثلث ، وخلع المريض لا يعتبر من الثلث ; لأن له أن يطلق مجانا ، وخلع المريضة مذكور في " كتاب الخلع " .