المسألة السادسة :
الوصية بالحج .
الحج ضربان ، متطوع به ، ومفروض .
فالتطوع تصح الوصية به على الأظهر تفريعا على صحة النيابة فيه .
ثم هو محسوب من الثلث ، ويحج عنه من بلده إن قيد به ، ومن الميقات إن قيد به .
فإن أطلق ، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان .
أصحهما : من الميقات ، وإليه ميل أكثرهم .
وهل يقدم حج التطوع
[ ص: 196 ] في الثلث على سائر الوصايا ؟ قال
القفال : هو على القولين في تقديم العتق على غيره من الوصايا .
قال الشيخ
أبو علي : لم أر هذا لأحد من الأصحاب ، بل جعلوا الوصية به مع غيره على الخلاف فيما إذا اجتمع حق الله تعالى وحقوق الآدميين .
وإذا لم يف الثلث ، أو حصة الحج منه بالحج ، بطلت الوصية ، وكذا لو قال : أحجوا عني بمائة من ثلثي ولم يمكن أن يحج بها .
ولو
قال : أحجوا عني بثلثي ، صرف ثلثه إلى ما يمكن من حجتين وثلاث فصاعدا .
فإن فضل ما لا يمكن أن يحج به ، فهو للورثة .
ولو
قال : أحجوا عني بثلثي حجة ، صرف ثلثه إلى حجة واحدة .
فإن كان الثلث أجرة المثل فما دونها ، جاز أن يكون الأجير أجنبيا ووارثا .
وإن كان أكثر ، لم يستأجر إلا أجنبي ; لأن الزيادة محاباة [ فلا تجوز للوارث ] .
الضرب الثاني : المفروض ، وهو حجة الإسلام وغيرها .
أما حجة الإسلام ، فمن مات وهي في ذمته ، قضيت من رأس ماله وإن لم يوص بها ، كالزكاة ، وسائر الديون .
وإن أوصى بها نظر ، إن أضافها إلى رأس المال ، فهي تأكيد .
وإن أضاف إلى الثلث ، قضيت منه ، كما لو أوصى بقضاء دينه من ثلثه .
وتتضمن هذه الوصية ترفيه الورثة بتوفير الثلثين .
وفي
تقديم الحج على سائر الوصايا وجهان - وقال الشيخ
أبو علي : قولان - يجريان فيما لو أوصى بقضاء دينه من الثلث .
أحدهما : يقدم ، كما لو لم يوص فإنه يقدم ، وأصحهما : لا يقدم ، بل يزاحمها بالمضاربة ; لأنه وصية .
ثم إن لم يف الثلث بالحج على الوجه الأول ، أو الحاصل من المضاربة على الثاني ، كمل من رأس المال ، كما لو قال : اقضوا ديني من ثلثي فلم يوف الثلث به ، وحينئذ تدور المسألة ، وسنوضح مثالها قريبا إن شاء الله تعالى .
وإن أطلق ، فلم يضف إلى الثلث ، ولا إلى رأس المال ، حج عنه من رأس المال على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، سواء قرن به ما يعتبر من الثلث ، [ أم لا ] ، وقيل :
[ ص: 197 ] قولان .
ثانيهما : أنه من الثلث .
وقيل : إن قرن ، فمن الثلث ، وإلا ، فمن رأس المال .
ثم متى جعلنا الحج من رأس المال ، حج عنه من الميقات ; لأنه لو كان حيا ، لم يلزمه إلا هذا .
وإذا جعلناه من الثلث ، إما لتصريحه ، وإما عند الإطلاق ، فوجهان .
أصحهما : من الميقات أيضا .
فعلى هذا ، لو أوصى أن يحج عنه من بلده ، فلم يبلغ ثلثه حجة من بلده ، حج من حيث أمكن .
وإن لم يبلغ الحج من الميقات ، تمم من رأس المال ما يتم به الحج من الميقات .
والثاني : من بلده .
فعلى هذا قال
أبو إسحاق : إن أوصى بالحج من الثلث ، فجميعه من الثلث .
فإن أطلق ، وجعلناه من الثلث ، فالذي من الثلث مؤنة ما بين البلد إلى الميقات .
فأما من الميقات ، فهو من رأس المال .
وأما الحجة المنذورة ، ففيها وجهان .
أصحهما : أنها كحجة الإسلام ، إلا أن هاهنا وجها أنها إذا لم يوص بها ، قضيت من الثلث ، وهو شاذ .
والثاني : كالتطوعات ، لأنها لا تلزم بأصل الشرع .
فعلى هذا ، إن لم يوص بها ، لم تقض .
وإن أوصى بها ، كانت من الثلث .
ويجري الخلاف في الصدقة المنذورة والكفارات .