[ ص: 273 ] الشرط الرابع : طهارة النجس . النجاسة قسمان ؛ واقعة في مظنة العفو ، وغيرها .
أما الواقعة في غير مظنة العفو ، فيجب الاحتراز منها في الثوب ، والبدن ، والمكان . فإن
أصاب ثوبه نجاسة وعرف موضعها ، فطريق إزالتها ، الغسل كما سبق . فلو قطع موضعها ، أجزأه .
ويلزمه ذلك إذا تعذر الغسل وأمكن ستر العورة بالظاهر منه ، ولم ينقص من قيمته بالقطع أكثر من أجرة الثوب .
وإن
لم يعرف موضع النجاسة من البدن أو الثوب واحتمل وجودها في كل جزء وجب غسل الجميع ولا يجزئه التحري . فلو شق الثوب نصفين ، لم يجزئ التحري فيهما .
ولو أصاب شيء رطب طرفا من هذا الثوب ، لم ينجس الرطب ؛ لأنا لا نتيقن نجاسة موضع الإصابة .
ولو غسل إحدى نصفيه في حال اتصاله ، ثم غسل النصف الآخر ، فهو كما لو تيقن نجاسة الجميع ، وغسله هكذا ، وفيه وجهان :
أحدهما : لا يطهر حتى يغسل النصفين دفعة واحدة .
وأصحهما : أنه إن غسل مع النصف الثاني القدر الذي يجاوره من الأول طهر الكل .
وإن اقتصر على النصفين فقد طهر الطرفان ، وبقي المنتصف نجسا في صورة اليقين ، ومجتنبا في الصورة الأولى .
ولو نجس أحد موضعين منحصرين ، أو مواضع ، وأشكل عليه كأحد كميه ، فأدى اجتهاده إلى نجاسة أحدهما فغسله وصلى فيه لم تصح صلاته على الأصح .
فلو فصل أحد الكمين عن الثوب صارا كالثوبين . فإن غسل ما ظنه نجسا وصلى فيه جاز ، وإن صلى فيما ظنه طاهرا جاز ، ويجري الوجهان فيما إذا نجست إحدى يديه أو أحد أصابعه ، وغسل ما ظن نجاسته وصلى ، وفيما لو اجتهد في ثوبين ، وغسل النجس ، وصلى فيهما معا .
لكن الأصح هنا الجواز بخلاف الكمين ؛ لضعف أثر الاجتهاد في الثوب الواحد ، ولو غسل أحد الكمين بالاجتهاد ، وفصله عن الثوب ، فجواز الصلاة فيما لم يغسله على الخلاف ، ولو غسل أحد الثوبين بالاجتهاد ،
[ ص: 274 ] جازت الصلاة في كل واحد منهما وحده بلا خلاف .
ولو اشتبه ثوبان أو أثواب ، بعضها طاهر وبعضها نجس ، اجتهد كما سبق في الأواني . فإن لم يظهر له شيء ، وأمكنه غسل واحد ليصلي فيه ، لزمه ذلك ، وإلا فهو كمن لم يجد إلا ثوبا نجسا ، ونذكره في الشرط الخامس إن شاء الله تعالى .
قلت : ولنا وجه ، أن يصلي الصلاة تلك في كل ثوب مرة ، والصحيح المعروف : أنه يترك الثياب ، ويصلي عريانا ، وتجب الإعادة والله أعلم .
ولو ظن طهارة أحد الثوبين ، وصلى فيه ، ثم تغير اجتهاده ، عمل بمقتضى الاجتهاد الثاني على الأصح ، كالقبلة .
قلت : ولا يجب إعادة واحدة من الصلاتين - وكذا لو كثرت الثياب ، والصلوات - بالاجتهاد المختلف ، كما قلنا في القبلة .
ولو تلف أحد الثوبين المشتبهين قبل الاجتهاد ، لم يصل في الآخر على الأصح . والله أعلم .
فرع :
ما لبسه المصلي ، يجب أن يكون طاهرا ، وأن لا يلاقي شيئا نجسا ، سواء تحرك بحركته في قيامه وقعوده ، أو لم يتحرك بعض أطرافه كذنابة العمامة . فلو أصاب طرف العمامة الذي لا يتحرك أرضا نجسة ، بطلت صلاته .
ولو قبض طرف حبل أو ثوب ، أو شده في يده أو رجله أو وسطه ، وطرفه الآخر نجس أو متصل بالنجاسة ، فثلاثة أوجه :
أصحها : تبطل صلاته ، والثاني : لا تبطل ، والثالث : إن كان الطرف نجسا ، أو متصلا بعين النجاسة ، بأن كان في عنق كلب ، بطلت ، وإن كان متصلا بطاهر ، وذلك الطاهر متصلا بنجاسة ، بأن شد في ساجور ، أو خرقة ، وهما في عنق كلب أو شده في
[ ص: 275 ] عنق حمار عليه حمل نجس لم تبطل .
والأوجه جارية ، سواء تحرك الطرف بحركته أم لا ، كذا قاله الجمهور .
وقطع به إمام الحرمين
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ، ومن تابعهما بالبطلان إذا تحرك ، وخصوا الخلاف بما لا يتحرك .
وقطع
البغوي بالبطلان في صورة الشد ، وخص الخلاف بصورة القبض باليد .
وقال أكثر الأصحاب : إن كان الكلب صغيرا أو ميتا ، وطرف الحبل مشدود به بطلت الصلاة قطعا ، وإن كان كبيرا حيا بطلت على الأصح .
وإن كان الحبل مشدودا في موضع طاهر من سفينة فيها نجاسة ، فإن كانت صغيرة تنجر بجره ، فهي كالكلب .
وإن كانت كبيرة . لم تبطل على الصحيح . كما لو شد في باب دار فيها نجاسة ، واتفقت الطوائف على أنه لو جعل رأس الحبل تحت رجله ، صحت صلاته في جميع الصور .
فرع :
من انكسر عظمه فجبره بعظم طاهر فلا بأس ، وإن جبره بعظم نجس نظر ، إن كان محتاجا إلى الجبر ولم يجد عظما طاهرا يقوم مقامه ، فهو معذور وليس عليه نزعه .
وإن لم يحتج إليه أو وجد طاهرا يقوم مقامه ، وجب نزعه إن لم يخف الهلاك ولا تلف عضو ، ولا شيئا من المحذورات المذكورة في باب التيمم . فإن لم يفعل ، أجبره السلطان ولم تصح صلاته معه ، ولا مبالاة بالألم الذي يجده ولا يخاف منه .
ولا فرق بين أن يكتسي اللحم أو لا يكتسيه ، ومال إمام الحرمين ، إلى أنه إذا اكتسى اللحم لم يجب النزع ، وإن كان لا يخاف الهلاك ، وهو مذهب
أبي حنيفة ، ووجه شاذ لنا .
وإن خاف من النزع الهلاك ، أو ما في معناه ، لم يجب النزع على الصحيح .
وإذا أوجبنا
[ ص: 276 ] النزع ، فمات قبله ، لم ينزع على الصحيح المنصوص ، سواء استتر باللحم ، أم لا .
وقيل : إن استتر ، لم ينزع قطعا .
وعلى الشاذ : يجب النزع ، وقيل : يستحب .
ومداواة الجرح بالدواء النجس ، وخياطته بخيط نجس ، كالوصل بعظم نجس ، فيجب النزع حيث يجب نزع العظم ، وكذا لو شق موضعا من بدنه ، وجعل فيه دما .
وكذا لو وشم يده بالعظام ، أو غيرها ، فإنه ينجس عند الغرز ، وفي تعليق الفراء ، أنه يزال الوشم بالعلاج . فإن لم يمكن إلا بالجرح ، لا يجرح ، ولا إثم عليه بعد التوبة .
فرع :
وصل المرأة شعرها بشعر نجس ، أو بشعر آدمي ، حرام قطعا ؛ لأنه يحرم الانتفاع بشيء منه لكرامته ، بل يدفن شعره وغيره .
وسواء في هذين المزوجة وغيرها ، وأما الشعر الطاهر لغير الآدمي فإن لم تكن ذات زوج ولا سيد ، حرم الوصل به على الصحيح .
وعلى الثاني : يكره ، وإن كانت ذات زوج أو سيد ، فثلاثة أوجه : أصحها : إن وصلت بإذنه جاز ، وإلا حرم .
والثاني : يحرم مطلقا ، والثالث : لا يحرم ولا يكره مطلقا ، وأما تحمير الوجنة ، فإن كانت خلية من الزوج أو السيد أو كان أحدهما ، وفعلته بغير إذنه فهو حرام ، وإن كان بإذنه فجائز على المذهب ، وقيل : وجهان كالوصل .
وأما
الخضاب بالسواد وتطريف الأصابع فألحقوه بالتحمير .
قال إمام الحرمين : ويقرب منه تجعيد الشعر ، ولا بأس بتصفيف الطرر وتسوية الأصداغ .
وأطلق الأصحاب القول باستحباب الخضاب بالحناء لها بكل حال .
وينبغي أن تكون هذه الأمور ، على تفصيل نذكره في ( فصل سنن الإحرام ) إن شاء الله تعالى ، وأما
الوشم ، فحرام مطلقا .
والوشر : وهو تحديد طرف الأسنان وترقيقها ، كالوصل بشعر طاهر .
[ ص: 277 ] فرع :
يجب أن يكون ما يلاقي بدن المصلي وثوبه ، وتحته وفوقه وجوانبه ، طاهرا . فلو
وقف بحيث يمسه في صلاته جدار ، أو سقف نجس ، بطلت صلاته .
ولو صلى على بساط تحته نجاسة ، أو على طرف منه نجاسة ، أو على سرير قوائمه على نجاسة ، لم يضر ، سواء تحرك ذلك الموضع بحركته ، أم لا ، ولو نجس أحد البيتين ، واشتبه ، تحرى ، كالثوبين .
وإن اشتبه مكان من بيت أو بساط لم يجز التحري على الأصح .
وعلى الثاني : يجوز ، كما لو اشتبه ذلك في الصحراء .
ولو كان ما يلاقي بدنه وثيابه طاهرا ، وما يحاذي صدره أو بطنه أو شيئا من بدنه في سجوده أو غيره نجسا صحت صلاته على الأصح .
ولو بسط على النجاسة ثوبا مهلهل النسج ، وصلى عليه ، فإن حصلت مماسة النجاسة من الفرج ، بطلت صلاته ، وإن لم تحصل ، وحصلت المحاذاة ، فعلى الوجهين .