الطرف الثاني : في طريق تصحيح مسائل
الوصية بالأجزاء .
فإذا
أوصى من له ورثة بجزء شائع ، وأردنا قسمة التركة بين الورثة والموصى له ، فإما أن يوصي بالثلث فما دونه ، وإما بأكثر .
القسم الأول : إذا
أوصى بالثلث فما دونه ، فله حالان .
أحدهما : أن تكون الوصية بجزء واحد ، فتصحح مسألة الميراث عائلة أو غير عائلة ، وينظر في مخرج جزء الوصية ، ويخرج منه جزء الوصية .
ثم إن انقسم الباقي على مسألة الورثة ، صحت المسألتان ، وذلك كمن
أوصى بربع ماله ، وترك ثلاثة بنين فمخرج جزء الوصية أربعة ، والباقي بعد إخراج الربع ينقسم على البنين ، وإن لم ينقسم ، فلك طريقان .
أحدهما : أن تنظر في الباقي وفي مسألة الورثة ، فإن تباينا ، ضربت مسألة الورثة في مخرج الوصية ، وإن توافقا ، ضربت وفق مسألة الورثة في مخرج الوصية ، فما بلغ صحت منه القسمة .
ثم من له شيء من مخرج الوصية ، أخذه مضروبا فيما ضربته في مخرج الوصية ، ومن له شيء من مسألة الورثة ، أخذه مضروبا
[ ص: 215 ] فيما بقي من مخرج الوصية بعد إخراج جزء الوصية إن كان الباقي مع مسألة الورثة متباينين .
وإن كانا متوافقين ، ففي وفق الباقي .
الطريق الثاني : أن تنسب جزء الوصية إلى الباقي من مخرجها بعد الجزء ، وتزيد مثل تلك النسبة على مسألة الورثة ، فما بلغ فمنه القسمة .
فإن كان فيه كسر ، ضربته في مخرج الكسر ، فما بلغ ، صحت منه القسمة .
مثاله :
ثلاثة بنين ، أوصى بثلث ماله ، مسألة الورثة من ثلاثة ، ومخرج الوصية أيضا ثلاثة ، والباقي بعد جزء الوصية اثنان لا ينقسمان على ثلاثة .
فعلى الطريق الأول : تضرب ثلاثة في مخرج الوصية ، تبلغ تسعة منها القسمة ، كان للموصى له سهم يأخذه مضروبا في الثلاثة المضروبة في مخرج الوصية ، ولكل ابن سهم من مسألة الورثة مضروب في الباقي من مخرج الوصية بعد إخراج جزء الوصية وهو اثنان .
وعلى الطريق الثاني تقول : جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها ، فتزيد على مسألة الورثة ، نصفها تكون أربعة ونصفا ، تبسطها أنصافا تبلغ تسعة .
أبوان وخمس بنات ، وأوصى بخمس ماله ، مسألة الورثة من ستة ، وتصح من ثلاثين ، ومخرج جزء الوصية خمسة ، والباقي بعد إخراج جزء الوصية أربعة لا تصح على الثلاثين .
فعلى الطريق الأول ، هما متوافقان بالنصف ، فتضرب نصف مسألة الورثة وهو خمسة عشر في مخرج الوصية ، تبلغ خمسة وسبعين ، كان للموصى له سهم يأخذه مضروبا في خمسة عشر ، ولكل واحد من الأبوين خمسة في نصف الأربعة تكون عشرة ، ولكل بنت أربعة في اثنين ثمانية .
وعلى الثاني تقول : الجزء المخرج مثل ربع الباقي ، فتزيد على الثلاثين ربعها وتبسطها أنصافا ، تبلغ خمسة وسبعين .
ابنان وبنتان ، وأوصى بالثلث ، مسألة الورثة من ستة ، والوصية من ثلثه ، والباقي بعد جزء الوصية لا ينقسم على ستة .
[ ص: 216 ] فعلى الطريق الأول : يتوافقان بالنصف ، فتضرب نصف الستة في مخرج الوصية ، تبلغ تسعة ، للموصى له سهم في ثلاثة ، ولكل ابن سهمان في واحد .
وعلى الثاني تقول : جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها ، فتزيد على مسألة الورثة نصفها تكون تسعة .
الحال الثاني : أن تكون الوصية بجزءين فصاعدا ، فيؤخذ مخرج الجزءين بالطريق المذكور في أصول مسائل الفرائض ، ثم العمل على ما تبين في الحال الأول .
مثاله :
أبوان ، وأوصى بثمن ماله لزيد ، وبخمسه لعمرو ، مسألة الورثة من ثلاثة ، ومخرج الجزءين أربعون .
لزيد خمسة ، ولعمرو ثمانية ، ويبقى سبعة وعشرون تصح على ثلاثة بنين .
وأوصى بربع ماله لزيد ، وبنصف سدسه لعمرو ، مسألة الورثة ثلاثة ، ومخرج الوصيتين اثنا عشر ، ومجموع الجزءين أربعة ، إذا أخرجناها ، يبقى ثمانية لا تصح على ثلاثة .
فعلى الطريق الأول : لا موافقة ، فتضرب ثلاثة في اثني عشر ، فتبلغ ستة وثلاثين منها تصح .
وعلى الثاني : الخارج بالوصيتين ، نصف الباقي من مخرجهما ، فتزيد على مسألة الورثة نصفها ، تبلغ أربعة ونصفا ، تبسطها أنصافا تكون تسعة ، لكن نصيب الموصى لهما من مخرج الوصيتين أربعة ، وحصتهما من التسعة ثلاثة لا تنقسم على أربعة ، فتضرب أربعة في تسعة ، تبلغ ستة وثلاثين .
ولو كانت البنون ستة ، والوصيتان بحالهما .
فعلى الطريق الأول ، تبقى ثمانية لا تصح على ستة ، لكن توافق بالنصف ، فتضرب نصف الستة في اثني عشر ، تبلغ ستة وثلاثين .
والطريق الثاني : كما سبق .
القسم الثاني : إذا
أوصى بأكثر من الثلث ، فينظر إن كانت الوصية لشخص أو جماعة يشتركون فيه ، إما بجزء ، كالنصف ، وإما بجزءين كالنصف والربع ،
[ ص: 217 ] فمدار المسألة على إجازة الورثة وردهم ، وقد سبق بيان الحكم والحساب .
وإن
أوصى لشخص بجزء ولآخر بجزء ، فإن أجاز الورثة ، أعطي كل واحد ما سمي له ، وقسم الباقي بين الورثة .
وطريق القسمة ما سبق في القسم الأول .
وإن ردوا الزيادة على الثلث ، قسم الثلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الإجازة ، وسواء زاد الجزء الواحد ، كالنصف والثلث ، أو لم يزد واحد منهما ، كالربع والثلث .
مثاله : أبوان وابنان ، وأوصى لزيد بنصف ماله ، ولعمرو بثلثه ، وأجازوهما ، فمسألة الورثة ستة ، وكذا مخرج الوصيتين ، والباقي بعد جزأي الوصيتين لا ينقسم على ستة .
فعلى الطريق الأول : تضرب الستة في مخرج الوصيتين ، تبلغ ستة وثلاثين .
وعلى الثاني نقول : جزءا الوصيتين خمسة أمثال الباقي من مخرجهما ، فيزاد على مسألة الورثة خمسة أمثالها ، تبلغ ستة وثلاثين ، منها تصح القسمة .
وإن ردوا الوصيتين ، قسمنا الثلث بينهما على خمسة ; لأن نصيبهما بتقدير الإجازة خمسة من ستة .
ولذلك طريقان .
أحدهما : أن ينظر إلى ما زاد من الوصايا على الثلث ، وينقص بتلك النسبة من نصيب كل واحد من الموصى لهم ، فنسبة ما زاد هنا ثلاثة أخماس ; لأن مجموع الوصية بخمسة من ستة ، ولا خمس لمخرج الوصيتين ، فتضرب مخرج الخمس في ستة ، تبلغ ثلاثين ، منها خمسة عشر للموصى له بالنصف ، وعشرة للموصى له بالثلث ، فينقص من كل واحد ثلاثة أخماسه ، يبقى للأول ستة ، وللثاني أربعة ، والباقي عشرون للورثة .
وهذه الأنصباء متوافقة بالنصف ، فترد للاختصار إلى أنصافها ، وتقسم من خمسة عشر .
الطريق الثاني : أنا نطلب مالا لثلثه خمس ، فنضرب مخرج الثلث في مخرج الخمس ، تبلغ خمسة عشر ، للموصى له بالنصف ثلاثة ، وللآخر اثنان ، يبقى عشرة للورثة لا تنقسم على مسألتهم وهي ستة ، لكن توافقها بالنصف ، فنضرب نصف الستة في الخمسة عشر ، تبلغ خمسة وأربعين ، منها تصح القسمة .
[ ص: 218 ] فرع هذا الذي ذكرناه ، إذا لم تستغرق الوصية المال .
فإن استغرقت وأجيزت ، قسم المال بين أصحاب الوصايا .
وإن ردوا ، قسم الثلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الإجازة .
وإن
زادت الوصايا على المال ، بأن أوصى لزيد بماله كله ، ولعمرو بثلثه ، فإن أجازوا ، فقد عالت إلى أربعة ، لزيد ثلاثة ، ولعمرو سهم .
وإن ردوا ، قسم الثلث بينهم على أربعة ، وتكون قسمة الوصية من اثني عشر .
ولو
أوصى لزيد بنصف ماله ، ولعمرو بثلثه ، ولبكر بربعه ، قسم المال بينهم على ثلاثة عشر سهما إن أجازوا ، وإلا ، قسم ثلثه على ثلاثة عشر .
فرع
أوصى لزيد بعبد قيمته مائة ، ولعمرو بدار قيمتها ألف ، ولبكر بخمسمائة ، وكان ثلث ماله ثمانمائة ، فقد أوصى بثلثي ماله .
فإن أجازوا ، فذاك ، وإلا ، فالزائد على الثلث مثل جميع الوصايا ، فترد كل وصية إلى نصفها ، ويخص كل واحد بنصف ما عين له .
ولو
أوصى لزيد بعشرة ، ولعمرو بعشرة ، ولبكر بخمسة ، وثلثه عشرون ، ولم يجيزوا ، قسمت العشرون على خمسة ، لكل واحد من الأولين ثمانية ، ولبكر أربعة .
ولو كانت بحالها وقال : قدموا بكرا على عمرو ، قال
ابن الحداد : لزيد ثمانية ، ولعمرو سبعة ، ولبكر خمسة .
ولو قال : قدموا بكرا عليهما ، أعطي خمسة ، ودخل النقص عليهما بالسوية ، فيكون لكل منهما سبعة ونصف .
[ ص: 219 ] فرع :
أوصى لزيد بعبد ، ولعمرو بما بقي من ثلث ماله ، اعتبر ماله عند الموت .
فإن خرج العبد من ثلثه ، دفعناه إلى زيد ، وأعطينا عمرا باقي الثلث إن بقي شيء ، وإلا ، بطلت وصية عمرو .
وإن
مات العبد قبل موت الموصي ، لم يحسب من التركة ، وينظر في باقي أمواله ، فيحط من ثلثها قيمة العبد ، ويدفع باقيه إلى عمرو .
فإن لم يبق شيء ، بطلت أيضا وصيته .
وإن مات بعد موت الموصي ، حسب من التركة ، وحسبت قيمته من الثلث .
فإن بقي شيء من الثلث ، فهو لعمرو .
ولو
لم يكن له مال سوى العبد ، فأوصى لزيد به ، ولعمرو بثلثه ، أو بثلث ماله ، ولم يجر لفظ يقتضي الرجوع عن الوصية الأولى .
فإن أجازوا ، قسم العبد بينهما ، لزيد ثلاثة أرباعه ، ولعمرو ربعه .
وإن لم يجيزوا ، قسم الثلث كذلك .
وإن أوصى لزيد بالعبد .
وقيمته ألف ، ولعمرو بثلث ماله ، وله ألفان سوى العبد ، فإن أجازوا ، جعل العبد بينهما أرباعا كما ذكرنا ، ولعمرو مع ربعه ثلث الألفين .
وإذا كان العبد الذي هو ثلث المال أربعة ، كان الألفان وهما ثلثاه ثمانية ، لكن [ ليس ] للثمانية ثلث ، فتضرب مخرج الثلث في اثني عشر ، تبلغ ستة وثلاثين ، العبد منها اثنا عشر ، تسعة منها لزيد ، وثلاثة منها مع ثمانية من الباقي لعمرو ، والباقي للورثة .
وإن ردوا الوصية ، قسم الثلث بينهما على عشرين ; لأن جملة سهام الوصايا عند الإجازة عشرون .
وإذا كان العبد وهو ثلث المال عشرين ، كان الجميع ستين ، لزيد تسعة من العبد ، ولعمرو ثلاثة منه وثمانية أسهم من الباقي ، كما كان في حال الإجازة ، يبقى للورثة ثمانية أسهم من العبد ، واثنان وثلاثون سهما من الباقي ، وجميع ما ذكرناه فيما إذا أجاز جميع الورثة جميع الوصايا ، أو رد جميعهم جميعها إلى الثلث .
فلو أجازوا بعضها ، أو أجاز بعضهم بعضها ، وبعضهم كلها ، أو أجاز بعضهم بعضها ، وبعضهم بعضا آخر ، أو أجاز
[ ص: 220 ] بعضهم جميعها ، ورد بعضهم جميعها ، ( أو رد بعضهم جميعها ) وبعضهم بعضها ، فالطريق في هذه الأحوال أن تصحح المسألة على تقدير الإجازة المطلقة وعلى تقدير الرد المطلق .
فإن تماثلت المسألتان ، اكتفيت بإحداهما .
وإن تداخلتا ، اكتفيت بالأكثر واستغنيت عن الضرب .
وإن تباينتا ، ضربت إحداهما في الأخرى ، وإن توافقتا ، ضربت وفق إحداهما في الأخرى ، ثم يقسم المال بينهما على تقديري الإجازة والرد من ذلك العدد ، وينظر في الحاصل لكل مجيز على التقديرين ، فيكون قدر التفاوت بينهما لمن أجاز له .
مثاله : ابنان ، وأوصى لزيد بنصف ماله ، ولعمرو بثلثه ، المسألة على تقدير الإجازة من اثني عشر ، وعلى تقدير الرد من خمسة عشر ، وهما متوافقان بالثلث ، فتضرب ثلث إحداهما في الأخرى ، تبلغ ستين ، لزيد منها على تقدير الإجازة المطلقة ثلاثون ، ولعمرو عشرون ، ولكل ابن خمسة ، ولزيد على تقدير الرد المطلق اثنا عشر ، ولعمرو ثمانية ، ولكل ابن عشرون ، فالتفاوت في نصيب كل ابن خمسة عشر .
فإن أجازا وصية زيد ، فقد سامحه كل ابن بتسعة ، فيتم له ثلاثون ، ويبقى لكل ابن [ أحد ] عشر .
وإن أجازا وصية عمرو ، فقد سامحه كل ابن بستة ، فيتم له عشرون ، ولكل ابن أربعة عشر .
وإن أجاز أحدهما الوصيتين وردهما الآخر ، فقد سامح المجيز زيدا بتسعة ، وعمرا بستة ، فيكون لزيد أحد وعشرون ، ولعمرو أربعة عشر ، وللمجيز خمسة ، وللراد عشرون .
وإن أجاز أحدهما الوصيتين ، وأجاز الآخر وصية زيد ، تم لزيد ثلاثون .
وإن أجاز الآخر وصية عمرو ، تم له عشرون .
وإن أجاز أحدهما وصية زيد ، والآخر وصية عمرو ، فهذا سامح زيدا بتسعة ، وذاك سامح عمرا بستة ، فيكون لزيد أحد وعشرون ، ولمجيزه أحد عشر ، ولعمرو أربعة عشر ، ولمجيزه مثلها .