الشرط الخامس :
ستر العورة ، ويجب في غير الصلاة في غير الخلوة ، وفي الخلوة أيضا على الأصح .
وهو شرط لصحة الصلاة في الخلوة وغيرها ، فإن تركه مع القدرة بطلت .
قلت : ولو
صلى في سترة ثم علم بعد الفراغ أنه كان فيها خرق تبين منه العورة ، وجبت إعادة الصلاة على المذهب ، سواء كان علمها ثم نسيها ، أم لم يكن علمها ، وهو شبيه بمن علم النجاسة بعد الفراغ ، ولو احتمل حدوث الخرق بعد السلام فلا إعادة قطعا .
ويجوز كشف العورة في الخلوة في غير صلاة للحاجة . والله أعلم .
وعورة الرجل - حرا كان أو عبدا - ما بين السرة والركبة على الصحيح .
[ ص: 283 ] وفي وجه : الركبة والسرة عورة ، وفي وجه : الركبة عورة دون السرة ، وفي وجه شاذ منكر قاله
الإصطخري : إن عورة الرجل القبل والدبر فقط .
قلت : لنا وجه ضعيف مشهور : أن السرة عورة دون الركبة . والله أعلم .
وأما
المرأة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين ؛ ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين .
ولنا قول ، وقيل وجه : أن باطن قدمها ليس بعورة ، وقال
المزني : ليس القدمان بعورة ، وإن كانت أمة أو مكاتبة أو مستولدة أو مدبرة أو بعضها رقيقا ، ففيها ثلاثة أوجه :
أصحها عورتها كعورة الرجل ، والثاني : كعورة الحرة إلا رأسها ، فإنه ليس بعورة ، والثالث : ما ينكشف في حال خدمتها وتصرفها كالرأس والرقبة والساعد وطرف الساق ، فليس بعورة ، وما عداه عورة . وأما
الخنثى المشكل فإن كان رقيقا وقلنا : عورة الأمة كعورة الرجل ، فلا يلزمه أن يستر إلا ما بين السرة والركبة ، وإن كان حرا أو رقيقا ، وقلنا : عورة الأمة أكثر من عورة الرجل ، وجب ستر الزيادة على عورة الرجل أيضا لاحتمال الأنوثة . فلو خالف ، فلم يستر إلا ما بين السرة والركبة فهل تصح صلاته ؟ وجهان :
قلت : أصحهما : لا تصح لأن الستر شرط وشككنا في حصوله . والله أعلم .
[ ص: 284 ] فرع .
في صفة السترة والستر :
ويجب
ستر العورة ، بما يحول بين الناظر ولون البشرة ، فلا يكفي الثوب الرقيق الذي يشاهد من ورائه سواد البشرة وبياضها ، ولا الغليظ المهلهل النسيج الذي يظهر بعض العورة من فرجه ، ولو ستر اللون ووصف حجم البشرة فلا بأس .
ولو وقف في ماء صاف ، لم تصح صلاته ، إلا إذا غلبت الخضرة لتراكم الماء . فإن انغمس إلى عنقه ، ومنعت الخضرة رؤية لون البشرة صحت صلاته ، ولو صلى في ماء كدر صحت على الأصح .
وصورة الصلاة في الماء ، أن يتمكن من الركوع والسجود ، أو يصلي على جنازة ، ولو طين عورته فاستتر اللون أجزأه على الصحيح الذي قطع به الجماهير ، سواء وجد ثوبا أم لا ، وعلى هذا لو لم يجد ثوبا ونحوه وأمكنه التطين وجب على الأصح .
وأما صفة الستر ، فقال الأصحاب : الستر يعتبر من فوق ، ومن الجوانب ، ولا يعتبر الذيل والإزار حتى لو صلى في قميص متسع الذيل ، وكان على طرف سطح يرى عورته من نظر إليه من أسفل جاز ، كذا قاله الأصحاب .
وتوقف في صورة السطح إمام الحرمين
والشاشي .
ولو
صلى في قميص واسع الجيب ، ترى عورته من الأعلى في الركوع أو السجود ، وغيرهما من أحوال الصلاة لم تصح صلاته .
وطريقه أن يزر جيبه ، أو يشد وسطه ، أو يستر موضع الجيب بشيء يلقيه على عاتقيه ، أو نحو ذلك .
وكذا لو لم يكن واسع الجيب ، لكن كان على صدر القميص أو ظهره خرق يبدو منه العورة ، فلا بد من شيء مما ذكرناه .
ولو كان الجيب بحيث ترى العورة منه في الركوع والسجود ، ولكن يمنع منها لحيته أو شعر رأسه صحت صلاته على الأصح . كما لو كان على إزاره ثقب ، فجمع عليه
[ ص: 285 ] الثوب بيده ، فلو ستر الثقب بيده ، فعلى الوجهين في اللحية ، ولو كان القميص بحيث يظهر منه العورة عند الركوع ، ولا يظهر في القيام فهل تنعقد صلاته ، ثم إذا ركع تبطل ، أم لا تنعقد أصلا ؟ فيه هذان الوجهان .
وفائدة الخلاف فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع ، وفيما لو ألقى ثوبا على عاتقه قبل الركوع .
واعلم أنه يشترط في الساتر أن يشمل المستور إما باللبس كالثوب والجلد ، وإما بغيره كالتطين .
فأما الفسطاط الضيق ونحوه ، فلا عبرة به ؛ لأنه لا يعد مشتملا عليه ، ولو وقف في جب ، وصلى على جنازة ، فإن كان واسع الرأس تظهر منه العورة لم تجز .
وإن كان ضيق الرأس ، فقال في ( التتمة ) : تجوز ، ومنهم من قال : لا تجوز .
قلت : الأصح الجواز ، ولو حفر في الأرض حفرة ، ووقف فيها لصلاة الجنازة ، إن رد التراب بحيث ستر العورة جاز ، وإلا فكالجب .
ولو ستر بزجاج يرى منه لون البشرة لم يصح . والله أعلم .
فرع :
إذا
لم يجد المصلي ما يستر العورة ، صلى عاريا وتقدم في آخر باب ( التيمم ) كيفية صلاته والقضاء .
ولو حضر جمع من العراة ، فلهم أن يصلوا جماعة ، ويقف إمامهم وسطهم ، كجماعة النساء ، وهل يسن للعراة الجماعة أم الأصح الأولى أن يصلوا فرادى ؟ قولان :
القديم : الانفراد أفضل ، والجديد : الجماعة أفضل .
قلت : هكذا حكى جماعة عن الجديد ، والمختار ما حكاه المحققون عن الجديد أن الجماعة والانفراد سواء .
وصورة المسألة إذا كانوا بحيث يتأتى نظر بعضهم إلى بعض ، فلو كانوا عميا أو في ظلمة ، استحبت لهم الجماعة بلا خلاف . والله أعلم .
[ ص: 286 ] ولو كان فيهم لابس أمهم ، ووقفوا خلفه صفا واحدا . فإن خالفوا ، فأمهم عار ، واقتدى به اللابس جاز .
ولو اجتمع رجال ونساء لم يصلوا معا ، لا في صف ولا في صفين ، بل يصلي الرجال ، وتكون النساء جالسات خلفهم مستدبرات القبلة ، ثم يصلي النساء ويجلس الرجال خلفهن مستدبرين .
فرع :
إذا
وجد المصلي ما يستر بعض العورة ، لزمه ستر الممكن بلا خلاف . فإن كان الموجود يكفي السوأتين بدأ بهما ، ولا يعدل إلى غيرهما . فإن كان يكفي إحداهما فقط فثلاثة أوجه :
الصحيح المنصوص : أنه يستر القبل ، رجلا كان أو امرأة ، والثاني : الدبر ، والثالث : يتخير .
قلت : ولنا وجه ذكره
القاضي حسين : أن المرأة تستر القبل ، والرجل الدبر . والله أعلم .
أما الخنثى المشكل ، فإن وجد ما يستر قبليه ودبره ستر ، فإن لم يجد إلا ما يستر واحدا ، وقلنا يستر القبل ، ستر أي قبليه شاء ، والأولى أن يستر آلة الرجال إن كان هناك امرأة ، وآلة النساء إن كان هناك رجل .
ثم ما ذكرناه من تقديم السوأتين ، أو إحداهما على الفخذ وغيره ، ومن تقديم إحدى السوأتين على الأخرى : هل هو على الاستحباب ؟ أم على الاشتراط وجهان :
أصحهما : الثاني وهو مقتضى كلام الأكثرين .
[ ص: 287 ] فرع :
لو كانت أمة تصلي مكشوفة الرأس ، فعتقت خلال الصلاة ، فإن لم تقدر على السترة ، مضت في صلاتها كالعاجز .
فإن كانت قادرة على السترة ، ولم تشعر بقدرتها عليها ، أو لم تشعر بالعتق حتى فرغت من الصلاة ، ففي وجوب الإعادة القولان فيمن صلى بالنجاسة جاهلا .
وقيل : يجب قطعا ، وإن علمت السترة والعتق ، فإن كان الخمار قريبا ، فطرحته على رأسها أو طرحه غيرها مضت في صلاتها .
وإن كان بعيدا أو احتاجت في الستر إلى أفعال كثيرة ، ومضى مدة في التكشف ففيه القولان في سبق الحدث .
فإن قلنا بالقديم : إنها تبني ، فلها السعي في طلب الساتر ، كما تسعى في طلب الماء ، وإن وقفت حتى أتيت به ، نظر ، إن وصلها في المدة التي كانت تصله لو سعت فلا بأس ، وإن زادت فوجهان :
الأصح : لا يجوز وتبطل صلاتها ، وينبغي أن يطرد هذا الخلاف والتفصيل في طلب الماء عند سبق الحدث ، وإن لم يذكروه هناك .
ولو
دخل العاري في الصلاة ثم وجد السترة في خلالها ، فحكمه ما ذكرناه في ( الأمة ) تعتق وهي واجدة للسترة .
قلت : إذا كانت السترة قريبة ، إلا أنه لا يمكن تناولها إلا باستدبار القبلة بطلت صلاتها إذا لم يناولها غيرها ، قاله في ( الشامل ) .
ولو قال لأمته : إن صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها ، فصلت كاشفة الرأس عاجزة صحت وعتقت ، أو قادرة صحت ، ولا عتق للدور . والله أعلم .