السبب الخامس :
التقصير في دفع المهلكات ، فيجب على المودع دفع المهلكات على المعتاد . فلو أودعه ، فله أحوال :
أحدها : أن يأمره بالعلف والسقي ، فعليه رعاية المأمور . فإن امتنع حتى مضت مدة يموت مثلها في مثلها ، فإن ماتت ، ضمنها ، وإلا فقد دخلت في ضمانه . وإن نقصت ، ضمن نصفها . وتختلف المدة باختلاف الحيوانات . وإن ماتت قبل مضي هذه المدة ، لم يضمن ، إن لم يكن بها جوع وعطش سابق . وإن كان وهو عالم به ، ضمن ، وإلا فلا على الأصح . فإن ضمناه ، فيضمن الجميع ، أم بالقسط ؟ وجهان ، كما لو استأجر بهيمة فحملها أكثر مما شرط .
الثانية : أن ينهاه عن العلف والسقي ، فيعصي إن ضيعها لحرمة الروح . والصحيح الذي قاله الجمهور ، أنه لا ضمان ، وضمنه
الإصطخري .
الثالثة : أن لا يأمره ولا ينهاه ، فيلزم القيام بهما ؛ لأنه التزم حفظها . ثم الكلام في أمرين . أحدهما : المودع لا يلزمه العلف من ماله ، فإن دفع إليه المالك علفها ، فذاك . ولو قال : اعلفها من مالك ، فهو كقوله : اقض ديني . والأصح الرجوع عليه . فإن لم يذكر شيئا ، راجع المالك أو وكيله ليستردها ، أو يعطي علفها . فإن لم يظفر بهما ، رفع الأمر إلى الحاكم ليقترض عليه ، أو يبيع جزءا منها ، أو يؤجرها ويصرف الأجرة في مؤنتها . والقول فيه وفي تفاريعه ، كما سبق في هرب الجمال وعلف الضالة ونفقة اللقيط ونحوها .
[ ص: 333 ] الأمر الثاني : إن علفها وسقاها في داره ، أو اصطبله ، حيث تعلف وتسقى دوابه . فقد وفى بالحفظ . وإن أخرجها من الموضع ، فإن كان يفعل كذلك مع دوابه لضيق وغيره ، فلا ضمان . وإن كان ليسقي دوابه فيه ، فقد قال الشافعي - رضي الله عنه - في المختصر : وإن أخرجها إلى غير داره وهو يسقي في داره ، ضمن . وقال
الإصطخري بظاهره وأطلق وجوب الضمان .
وقالت طائفة . هذا إذا كان الموضع أحرز . فإن تساويا ، فلا ضمان . وقال
أبو إسحاق وآخرون : هذا إذا كان في الإخراج خوف . فإن لم يكن ، لم يضمن ، لاطراد العادة ، وهذا هو الأصح . ثم إن تولى السقي والعلف بنفسه - أو أمر به صاحبه وغلامه وهو حاضر لم تزل يده - فذاك ، وإن بعثها على يد صاحبه ليسقيها ، أو أمره بعلفها وأخرجها من يده ، فإن لم يكن صاحبها أمينا ، ضمن ، وإلا فلا على الأصح ، للعادة . قال في ( ( الوسيط ) ) : والوجهان فيمن يتولى بنفسه في العادة ، فأما غيره ، فلا يضمن قطعا .
فرع
إذا كان النهي عن العلف لعلة تقتضيه ، كالقولنج ، فعلفها قبل زوال العلة فماتت ، ضمن .
فرع
العبد المودوع ، كالبهيمة في الأحوال المذكورة . ولو أودعه نخيلا ، فوجهان . أحدهما : سقيها كسقي الدابة . والثاني : لا يضمن بترك السقي إذا لم يأمره به .
[ ص: 334 ] فرع
ثياب الصوف التي يفسدها الدود ، يجب على المودع نشرها وتعريضها للريح . بل يلزمه لبسها إذا لم يندفع إلا بأن تلبس وتعبق بها رائحة الآدمي ، فإن لم يفعل ففسدت ، ضمن ، سواء أمره المالك أو سكت . فإن نهاه عنه ، فامتنع حتى فسدت ، كره ولا يضمن . وأشار في التتمة إلى أنه يجيء فيه وجه
الإصطخري . ولو كان الثوب في صندوق مقفل ، ففتح القفل ليخرجه وينشره ، قال
البغوي : لا يضمن على الأصح . هذا كله إذا علم المودع . فإن لم يعلم ، بأن كان في صندوق أو كيس مشدود ولم يعلمه المالك ، فلا ضمان .