الحكم الثالث
من أحكام الوديعة : ردها عند بقائها ، فإذا كانت الوديعة باقية ، لزم المودع ردها إذا طلبها المالك ، وليس المراد أنه يجب عليه مباشرة الرد وتحمل
[ ص: 344 ] مؤنته ، بل ذلك على المالك ، وإنما على المودع رفع اليد والتخلية بين المالك وماله ، فإن أخر من غير عذر ، دخلت الوديعة في ضمانه . وإن كان هناك عذر يعسر قطعه ، بأن طالبه في جنح الليل والوديعة في خزانة لا يتأتى فتح بابها في الوقت ، أو كان مشغولا بصلاة أو قضاء الحاجة ، أو في حمام أو على طعام فأخر حتى يفرغ ، أو كان ملازما لغريم يخاف هربه ، أو كان المطر واقعا والوديعة في البيت فأخر حتى ينقطع ويرجع إلى البيت ، وما أشبه ذلك ، فله التأخير قطعا . فلو تلفت الوديعة في تلك الحال ، فقطع
المتولي بأنه لا ضمان ؛ لعدم تقصيره ، وهذا مقتضى كلام
البغوي أيضا . ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في الوسيط يشعر بتفصيل ، وهو أنه إن كان التأخير لتعذر الوصول إلى الوديعة ، فلا ضمان . وإن كان لعسر يلحقه ، أو غرض يفوته ، ضمن .
قلت : الراجح أنه لا يضمن مطلقا ، وصرح به كثيرون . والله أعلم .
فرع
قال المودع : لا أرد حتى تشهد أنك قبضتها ، فهل له ذلك ؟ فله ثلاثة أوجه سبق ذكرها في كتاب الوكالة ووجه رابع ، أنه إن كان المالك أشهد بالوديعة عند دفعها ، فله ذلك ، وإلا ، فلا .
فرع
يشترط كون المردود عليه أهلا للقبض . فلو حجر عليه بسفه ، أو كان نائما فوضعها في يده ، لم يجز .
[ ص: 345 ] فرع
أودعه جماعة مالا ، وذكر أنه مشترك بينهم ، ثم جاء بعضهم يطلبه ، لم يكن للمودع القسمة ولا تسليم الجميع ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه .
فرع
قال له : ردها على فلان وكيلي ، فطلب الوكيل فلم يرد ، فهو كما لو طلب المالك فلم يرد ، لكن له التأخير ليشهد المدفوع إليه على القبض ؛ لأنه لو أنكر ، صدق بيمينه . وإن لم يطلب الوكيل ، فإن لم يتمكن من الرد ، لم تصر مضمونة ، وإلا ، فوجهان ؛ لأنه لما أمره بالدفع إلى وكيله ، عزله ، فيصير ما في يده كالأمانة الشرعية ، مثل الثوب تطيره الريح إلى داره . وفيها وجهان : أحدهما : تمتد إلى المطالبة . وأصحهما : تنتهي بالتمكن من الرد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج : ويجري الوجهان فيمن وجد ضالة وهو يعرف مالكها . وذكر إمام الحرمين في الأساليب ، أنه لو قال : رد الوديعة على من قدرت عليه من وكلائي هؤلاء ولا تؤخر ، فقدر على الرد على بعضهم ، وأخر ليرد على غيره ، فهو ضامن عاص بالتأخير ، وأنه لو لم يقل : ولا تؤخر ، يضمن بالتأخير ، وفي العصيان وجهان . وإنه لو قال : ردها على من شئت منهم ، فلم يرد على واحد ليرد على آخر ، لا يعصي ، وفي الضمان وجهان .
فرع
هل يجب على المودع الإشهاد عند الدفع إلى الوكيل ؟ وجهان جاريان فيما لو دفع إليه مالا ابتداء وأمره بإيداعه ، أصحهما عند
البغوي : يجب ، كما لو أمره بقضاء
[ ص: 346 ] دينه يلزمه الإشهاد ، وأصحهما عند
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : لا ؛ لأن قول المودع مقبول في الرد والتلف ، فلا يغني الإشهاد ؛ لأن الودائع حقها الإخفاء ، بخلاف قضاء الدين . فإذا قلنا : يجب ، فالحكم كما ذكرناه في كتاب الوكالة : أنه إن دفع في غيبة الموكل من غير إشهاد ، ضمن . وإن دفع بحضرته ، لم يضمن على الأصح .
فصل
طالبه المالك بردها ، فادعى التلف بسبب خفي كالسرقة ، صدق بيمينه . وإن ادعاه بسبب ظاهر كالحريق والغارة والسيل ، فإن لم يعرف ما ادعاه بتلك البقعة ، لم يقبل قوله في الهلاك به . وإن عرف بالمشاهدة أو الاستفاضة ، نظر ، إن عرف عمومه ، صدق بلا يمين . وإن لم يعرف عمومه ، واحتمل أنه لم يصب الوديعة ، صدق باليمين . وإن لم يذكر سبب التلف ، صدق بيمينه ، ولا يكلف بيان سببه .
وإذا نكل المودع عن اليمين ، حلف المالك على نفي العلم بالتلف واستحق ، وعد
المتولي موت الحيوان والغصب من الأسباب الظاهرة . وفي ( ( التهذيب ) ) إلحاق الغصب والسرقة ، وهو الأقرب .