[ ص: 176 ] الباب الثامن في مثبتات
الخيار في النكاح
أسبابه المتفق عليها أربعة : العيب ، والغرور ، والعتق ، والتعنين . وقولنا : " المتفق عليها " احتراز مما إذا زوج الأب أو الجد بكرا بغير كفء وصححنا النكاح ، فلها الخيار . ولو زوج الصغير من لا تكافئه ، وصححناه ، فله الخيار إذا بلغ . ولو ظنها مسلمة ، فكانت كتابية ، فله الخيار على رأي .
والتعنين أحد العيوب ، إلا أنه يختص بأحكام ، كضرب المدة وغيره ، فبين الأصحاب في " فصل العيوب " أنه أحدها ، وأفردوه بالذكر لاختصاصه بأحكام .
السبب الأول : العيب ،
العيوب المثبتة للخيار ثلاثة أقسام .
أحدها : يشترك فيه الرجال والنساء ، وهو ثلاثة : البرص ، ولا يلتحق به البهق . والثاني : الجذام ، وهو علة صعبة يحمر منها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر ، نسأل الله الكريم العافية ، ويتصور ذلك في كل عضو ، لكنه في الوجه أغلب . ثم حكى الإمام عن شيخه ، أن أوائل البرص والجذام لا يثبت الخيار ، وإنما يثبت إذا استحكما . وإن استحكام الجذام إنما يحصل بالتقطع . وتردد الإمام في هذا وقال : يجوز أن يكتفى باسوداد العضو ، وحكم أهل المعرفة باستحكام العلة .
الثالث : الجنون منقطعا كان أو مطبقا ، ولا يلحق به الإغماء بالمرض إلا أن يزول المرض ويبقى زوال العقل . قال الإمام : ولم يتعرضوا في الجنون لاستحكامه ، ولم يراجعوا أهل المعرفة أهو مرجو الزوال ، أم لا ؟ ولو قيل به لكان قريبا . ومتى وجد أحد الزوجين بالآخر هذه العيوب ، فله فسخ النكاح قل ذلك العيب أم كثر . ولو تنازعا في قرحة ، هل هي جذام ؟ أو في بياض هل هو برص ؟
[ ص: 177 ] فالقول قول المنكر ، وعلى المدعي البينة ، ويشترط كون الشاهدين عالمين بالطب .
القسم الثاني : مختص به وهو الجب والتعنين .
الثالث : مختص بها وهو
الرتق والقرن ، فالرتق : انسداد محل الجماع باللحم ، والقرن : عظم في الفرج يمنع الجماع ، وقيل : لحم ينبت فيه ، ويقول الفقهاء " القرن " بفتح الراء وهو في كتب اللغة بإسكانها .
قلت : يجوز الفتح والإسكان ، فالفتح على المصدر وهو هنا أحسن لأنه أنسب لكون قرائنه مصادر وهي الرتق والبرص ونحوهما ، وقد أوضحت هذه اللفظة أكمل إيضاح في ( تهذيب الأسماء واللغات ) ونقلت أقوال أهل اللغة فيها وحاصله ، جواز الأمرين وترجيح الفتح . والله أعلم .
وليس للزوج إجبار الرتقاء على شق الموضع ، فلو فعلت وأمكن الوطء ، فلا خيار كذا أطلقوه ، ويمكن أن يجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا علم عيب المبيع بعد زواله .
فجملة هذه العيوب سبعة ، يمكن في حق كل واحد من الزوجين خمسة ، وما سواها من العيوب لا خيار فيه على الصحيح الذي قطع به الجمهور . وقال
زاهر السرخسي : الصنان والبخر إذا لم يقبلا العلاج يثبتان الخيار ، وقال : كذا العذيوط والعذيوطة ، يثبت به الخيار . والعذيوط ، من يخرج عنه الغائط عند الجماع . وزاد القاضي
حسين وغيره فأثبتوا الخيار بالاستحاضة ، وبالعيوب التي تجتمع فتنفر تنفير البرص ، وتكسر سورة التائق ، كالقروح السيالة وما في معناه ويقال : إن الشيخ
أبا عاصم حكاه قولا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمة الله عليه .
[ ص: 178 ] أما إذا وجد أحدهما الآخر خنثى قد زال إشكاله ، ففي ثبوت الخيار قولان . أظهرهما : المنع ; لأنه لا يفوت مقصود النكاح ، وموضع القولين إذا اختار الذكورة أو الأنوثة بغير علامة ; لأنه قد يخرج بخلافه . فأما إذا اتضح بعلامة ، فلا خيار ، هذا هو الأصح . وقيل : القولان أيضا فيما إذا اتضح بعلامة مظنونة ، فإن كان بقطعية وهي الولادة ، فلا خيار . وقيل : القولان مطلقا ، وإن كانت العلامة قطعية لمعنى النفرة .
ولا خيار بكونه أو كونها عقيما ، ولا بكونها مفضاة ، والإفضاء : رفع ما بين مخرج البول ، ومدخل الذكر .
فصل
إذا
ظهر بكل واحد منهما عيب مثبت للخيار ، فإن كانا من جنسين ، فلكل واحد منهما الخيار إلا إذا كان مجبوبا وهي رتقاء ، فهو كالجنس الواحد كذا ذكره
الحناطي والشيخ
أبو حامد والإمام ، وحكى
البغوي طريقا آخر ، أنه لا فسخ به قطعا ; لأنه لا طريق له إلى تحصيل الوطء . وإن كانا من جنس ، ثبت الخيار لكل واحد على الأصح . هذا في غير الجنون ، أما إذا كانا مجنونين ، فلا يمكن إثبات الخيار لواحد منهما في الحال ، ثم الوجهان فيما إذا تساوى العيبان في القدر والفحش . فإن كان أحدهما أكثر وأفحش ، فللآخر الخيار قطعا .
فرع
نكح أحدهما الآخر عالما بعيبه ، فلا خيار . فلو ادعى المعيب علم الآخر ،
[ ص: 179 ] صدق المنكر بيمينه . وقيل : إن كان هذا الاختلاف بعد الدخول ، صدق مدعي العلم .
فرع
جبت المرأة ذكر زوجها ، فهل لها الخيار ؟ وجهان . أحدهما : لا ، كما لو عيب المشتري المبيع قبل القبض ، وأصحهما : نعم كما لو خرب المستأجر الدار المستأجرة فإن له الخيار ، فإن المرأة بالجب لا تصير قابضة لحقها ، والمستأجر لا يصير قابضا لحقه كالتخريب ، والمشتري بالتعيب قابض حقه .
فصل
العيب المثبت للخيار إن كان مقارنا للعقد ، فلكل واحد الفسخ بعيب صاحبه وإن حدث بعد العقد ، فإن كان بها ، فله الفسخ على الجديد الأظهر ، وإن كان به ، نظر إن كان قبل الدخول ، فلها الفسخ ، وإن كان بعده والعيب جنون أو جذام أو برص ، فلها الخيار ، كذا قاله الأصحاب في جميع الطرق . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي فيه وجها لم أره لغيره . وإن حدث التعنين ، فلا خيار ; لأنها عرفت قدرته وأخذت حظها ، وإن حدث الجب ، فلها الفسخ على الأصح ، ويقال : الأظهر .
فرع
أولياء المرأة ليس لهم خيار الفسخ بعيب حدث به ، وأما المقارن ، فإن كان جبا أو تعنينا ، فلا خيار لهم على الصحيح ، وإن كان جنونا ، فلهم الخيار . وإن
[ ص: 180 ] رضيت هي ، وكذا إن كان جذاما أو برصا على الأصح . ونقل
الحناطي في العيب الحادث وجها ، أن للأولياء إجبارها على الفسخ وهو شاذ ضعيف . وعلى هذا التفصيل يخرج حكم ابتداء التزويج ، فإن دعت إلى تزويجها بمجبوب أو عنين ، فعليهم الإجابة على الصحيح ، فإن امتنعوا ، كانوا عاضلين ، وإن دعت إلى مجنون ، فلهم الامتناع ، وكذا المجذوم والأبرص على الأصح .