الباب العاشر في
وطء الأب جارية ابنه ونكاحه إياها ووجوب إعفافه
فيه ثلاثة أطراف .
الطرف الأول : في وطئها ، فيحرم على الأب وطئ جارية ابنه مع علم بالحال ، فإن وطئها ، نظر ، أهي موطوءة الابن أم لا ؟
الحالة الأولى : أن لا تكون وفيه مسائل .
المسألة الأولى : لا حد على الأب لشبهة الإعفاف . وعن
الإصطخري تخريج قول في وجوب الحد ، والمذهب الأول . وعلى هذا ، فيعزر على الأصح ، لحق الله ، تعالى . وقيل : لا يعزر . فعلى تخريج
الإصطخري : هو كالزنا بأمة
[ ص: 208 ] أجنبي . فإن أكرهها ، وجب مهر المثل ، وإن طاوعته ، فوجهان . وعلى المذهب : هو كوطء الشبهة ، فعليه المهر للابن . فإن كان موسرا ، أخذ منه . وإن كان معسرا ففي ذمته إلى أن يوسر . وقيل : إن كان معسرا ، لم يثبت في ذمته . والصحيح الأول .
المسألة الثانية : كما يسقط الحد ويجب المهر ، تثبت المصاهرة فتحرم الجارية على الابن أبدا ، ويستمر ملكه عليها إذا لم يوجد على الأب إحبال ، ولا شيء على الابن بتحريمها ; لأن مجرد الحل في ملك اليمين غير متقوم ، وإنما المقصود الأعظم فيه المالية وهي باقية ، وله تزويجها وتحصيل مهرها ، بخلاف ما لو وطئ زوجة ابنه أو أبيه بالشبهة ، فإنه يغرم المهر له ; لأنه فوت الملك والحل جميعا ، ولأن الحل هناك هو المقصود .
[ المسألة ] الثالثة : إذا أحبلها بوطئه ، فالولد نسيب حر ، كما لو وطئ جارية أجنبي بشبهة . وهل تصير الجارية أم ولد للأب ؟ فيه أقوال . أظهرها : نعم . والثالث : إن كان الأب موسرا ، فنعم ، وإلا فلا . وضعف الأصحاب هذا . فإن قلنا به ، قال الإمام : يجب أن تخرج الأقوال الثلاثة في تعجيل الاستيلاد ، وتأخيره إلى أداء القيمة أو التوقف ، كما في سراية العتق في نصيب الشريك . وإذا قلنا : لا يثبت الاستيلاد ، فعلى الأب قيمة الولد باعتبار يوم الانفصال إن انفصل حيا ; لأن الرق اندفع بسببه . وإن انفصل ميتا ، فلا شيء عليه ، ولا يجوز للابن بيع الأمة ما لم تضع ; لأنها حامل بحر ، وهل على الأب قيمتها في الحال للحيلولة ثم تسترد عند الوضع ؟ وجهان . أصحهما : المنع ; لأن يده مستمرة عليها ومنتفع بالاستخدام وغيره ، بخلاف الآبق من يد الغاصب . وهكذا الحكم في الجارية المغرور
[ ص: 209 ] بحريتها ، والموطوءة بشبهة إذا أحبلتا ، وإذا ملك الأب هذه الجارية يوما ، هل تصير أم ولد ؟ فيه قولان معروفان . أما إذا قلنا بالأظهر : إنها تصير أم ولد ، فيجب على الأب قيمتها مع المهر . فإن اختلفا في القيمة ، فالقول قول الأب على المذهب ; لأنه غارم ، وقيل : قولان .
ومتى ينتقل الملك في الجارية إلى الأب ؟ فيه أربعة أوجه . أحدها : قبيل العلوق ليسقط ماؤه في ملكه صيانة له ، وبهذا قطع
البغوي . والثاني : مع العلوق ، واختاره الإمام . والثالث : عند الولادة . والرابع : عند أداء القيمة بعد الولادة . وفي وجوب قيمة الولد على الأب وجهان .
أصحهما : المنع . قال الإمام : لو فرض الإنزال مع تغييب الحشفة ، فقد اقترن موجب المهر بالعلوق ، فينبغي أن ينزل المهر منزلة قيمة الولد . والذي أطلقه الأصحاب من لزوم المهر ، محمول على ما إذا تأخر الإنزال عن موجب المهر على ما هو الغالب . قال
البغوي : لا ولاء على الولد إن أثبتنا الاستيلاد ، وكذا إن لم يثبت على الأصح .
المسألة الرابعة : استولد الأب جارية مشتركة بين ابنه وأجنبي ، فثبوت الاستيلاد في نصيب الابن على الأقوال السابقة ، فإن أثبتناه وكان موسرا ، سرى إلى نصيب الشريك ، فالولد حر ، وعلى الأب كمال المهر ، وكمال القيمة للابن والأجنبي . وإن كان معسرا ، لم يثبت الاستيلاد في نصيب الشريك ، ويكون نصف الولد حرا ونصفه رقيقا على الأظهر . وحكى
أبو سعد الهروي وجها أن الاستيلاد
[ ص: 210 ] لا يثبت في نصيب الشريك بحال ، ولا يجعل حق الملك وشبهته كحقيقة الملك ، ولو كان نصف الجارية للابن ونصفها حرا ، اقتصر الاستيلاد على نصيب الابن لا محالة .
[ المسألة ] الخامسة : لو كان الأب المستولد رقيقا ، فلا حد عليه ، ولا تصير أم ولد ; لأنه لا يملك ، والولد نسيب . وفي حريته وجهان . أفتى
القفال بالحرية كولد المغرور ، وقيمته في ذمته إلى أن يعتق ، والمهر يتعلق برقبته إن كانت مكرهة ، وإن طاوعته ، فهل يتعلق برقبته أم بذمته ؟ قولان كما لو وطئ العبد أجنبية بشبهة . ولو كان الأب المحبل مكاتبا ، ففي ثبوت الاستيلاد وجهان ، بناء على القولين في ثبوته إذ أولد جارية نفسه . ولو كان نصفه حرا ونصفه رقيقا ، لم يثبت الاستيلاد ، ويكون نصف الولد حرا ، وفي نصفه الآخر وجهان . قال
البغوي : إن قلنا : إنه حر أيضا ، فعليه كمال قيمة الولد ، نصفها في كسبه ، ونصفها في ذمته . وإن قلنا : نصفه الآخر رقيق ، فعليه قيمة نصفه في كسبه .
فرع
لا فرق في الأحكام المذكورة ، بين الأب المسلم والذمي ، وتجري الأقوال في ثبوت استيلاد ( الذمي وإن كان الكافر لا يشتري المسلم ; لأنه ملك قهري كالأرث .
فرع
وطء الأب جارية البنت والحفدة كجارية ) الابن بلا فرق .
[ ص: 211 ]
[ الحالة ] الثانية : أن تكون الجارية موطوءة الابن ، ووطئها الأب عالما بالحال ، فلا حد عليه على الأصح أو الأظهر . والخلاف مبني على القولين في وجوب الحد على من وطئ جاريته المحرمة عليه برضاع أو نسب أو مصاهرة . الجديد الأظهر : لا حد . قال
الروياني في " التجربة " : الخلاف فيما إذا لم يكن الابن استولدها ، فإن كان ، وجب الحد قطعا ، كذا قاله الأصحاب ; لأنه لا يتصور أن يملكها بحال ، بخلاف ما إذا كانت موطوءة غير مستولدة ، فإن أوجبنا الحد على الأب ، لم تحرم الجارية على الابن ، ويجب المهر إن كانت مكرهة . وإن كانت طائعة ، لم تجب على الأصح . وإن أولدها ، لم تصر أم ولد له ، ويكون الولد رقيقا غير نسيب . وعلى هذا القياس إذا وطئ الرجل جاريته المحرمة عليه برضاع وغيره وأولدها ، لا تصير أم ولد إن أوجبنا الحد . وقيل : يثبت النسب والاستيلاد هنا وفي جارية الابن وإن أوجبنا الحد فيهما ، والصحيح الأول . ولو أولد أحد الشريكين الجارية المشتركة ، ثبت النسب والاستيلاد ، وإن قلنا بالقديم : إنه يجب الحد ; لأنه وطء صادف ملكه حقيقة ، وإنما أوجبنا الحد صيانة لملك الشريك . أما إذا قلنا : لا حد على الأب ، فهو كما لو كان جاهلا يلزمه المهر ، وتصير الجارية محرمة عليهما أبدا . فإن أولدها ، فإن كانت مستولدة الابن ، لم تصر مستولدة له ; لأن أم الولد لا تقبل النقل ، وإلا ففي مصيرها مستولدة للأب الأقوال الثلاثة السابقة في الحالة الأولى .
فرع
لو وطئ مكاتبة ابنه وأولدها ففي مصيرها مستولدة للأب وجهان . أحدهما : لا ; لأن المكاتبة لا تقبل النقل . والثاني : نعم ; لأنها تقبل الفسخ ، بخلاف الاستيلاد
[ ص: 212 ] وهذا أصح عند
البغوي ، وبالأول قطع القاضي
أبو سعد الهروي . قال : وليس كما لو أولد مكاتبته ، فإنه ينفذ الاستيلاد ; لأنه لا نقل ، ولا يحتاج إلى فسخ الكتابة ، بل يجتمع الاستيلاد والكتابة ، ولا منافاة .
فرع
كانت جارية الابن منكوحة رجل ، فأولدها الأب ، ففي ثبوت الاستيلاد الأقوال الثلاثة ، ويستمر النكاح وإن أثبتنا الاستيلاد ، كما لو استولدها سيدها ، ولا يجوز للزوج وطؤها في مدة الحمل .
فصل
لو
وطئ الابن جارية الأب ، فهو كوطء الأجنبي . فإن كان بشبهة ، نظر ، إن ظنها أمته أو زوجته الحرة ، فالولد حر وعليه قيمته للأب . وإن ظنها زوجته الرقيقة انعقد الولد رقيقا ثم عتق على الجد ، ولا يجب على الابن قيمته . وإن وطئها عالما بالتحريم ، فهو زنا يتعلق به الحد ; لأن الابن لا يستحق الإعفاف على الأب ، فلا شبهة له ، بخلاف العكس ، ويلزم الابن المهر إن كانت مكرهة ، وإلا ، فلا على الأصح . ولو أتت بولد ، فهو رقيق للأب ، ولا يعتق عليه ، إذ لا نسب .