[ ص: 47 ] باب
صفة الوضوء
له فروض وسنن . فالفروض ستة .
الأول :
النية : وهي فرض في طهارات الأحداث ، ولا تجب في إزالة النجاسة على الصحيح . ولا يصح وضوء كافر أصلي ، ولا غسله على الصحيح ، ويصحان على وجه . ويصح الغسل دون الوضوء على وجه ، فيصلي به إذا أسلم . والكتابية المغتسلة من الحيض لحل وطئها لزوج مسلم ، كغيرها على الصحيح ، ولا يصح طهارة المرتد بلا خلاف . ولو توضأ مسلم أو تيمم ، ثم ارتد ، فثلاثة أوجه . الصحيح : يبطل تيممه دون الوضوء . والثاني : يبطلان . والثالث : لا يبطلان . ولا يبطل الغسل بالردة ، وقيل : هو كالوضوء ، وليس بشيء . أما
وقت النية : فلا يجوز أن يتأخر عن غسل أول جزء من الوجه . فإن قارنت الجزء المذكور ولم يتقدم ولم تبق بعده ، صح وضوءه ، لكن لا يثاب على سنن الوضوء المتقدمة .
قلت : وفي ( الحاوي ) وجه أنه يثاب عليها . والله أعلم .
وإن
تقدمت النية من أول الوضوء واستصحبها إلى غسل جزء من الوجه ، صح ، وحصل ثواب السنن ، وإن
اقترنت بسنة من سننه المتقدمة ، وهي التسمية ، والسواك ، وغسل الكف ، والمضمضة ، والاستنشاق ، ثم عزبت قبل الوجه ، فثلاثة أوجه . أصحها : لا يصح وضوءه . والثاني : يصح . والثالث : يصح إن اقترنت بالمضمضة أو الاستنشاق دون ما قبلهما . ولنا وجه ضعيف أن ما قبلهما ليس من سنن الوضوء ، بل مندوبة في أوله ، لا منه . والصواب : أنها من سننه .
قلت : هذا هو المذكور في المضمضة والاستنشاق ، هو فيما إذا لم ينغسل معهما شيء من الوجه ، فإن انغسل بنية الوجه ، أجزأه ولا يضر العزوب بعده . وإن
[ ص: 48 ] لم ينو بالمغسول الوجه ، أجزأه أيضا على الصحيح ، وقول الجمهور ، فعلى هذا يحتاج إلى إعادة غسل ذلك الجزء مع الوجه ، على الأصح . والله أعلم .
أما
كيفية النية ; فالوضوء ضربان : وضوء رفاهية ; ووضوء ضرورة . أما الأول : فينوي أحد ثلاثة أمور . أحدها : رفع الحدث ، أو الطهارة عن الحدث . ويجزئه ذلك . وفيه وجه : أنه إن كان ماسح خف ، لم يجزئه نية رفع الحدث ، بل تتعين نية الاستباحة ، ولو نوى رفع بعض الأحداث ، فأوجه . أصحها : يصح وضوءه مطلقا . والثاني : لا . والثالث : إن لم ينف ما عداه صح ، وإلا فلا ، والرابع : إن نوى رفع الأول ، صح ، وإلا فلا . والخامس : إن نوى الأخير ، صح ، وإلا فلا . هذا إذا كان الحدث المنوي واقعا منه . فإن لم يكن ، بأن بال ولم ينم ، فنوى حدث النوم ، فإن كان غالطا ، صح وضوءه قطعا . وإن تعمد ، لم يصح على الأصح . الأمر الثاني : استباحة الصلاة ، أو غيرها مما لا تباح إلا بالطهارة ، كالطواف ، وسجود التلاوة ، والشكر . فإذا نوى أحدها ، ارتفع حدثه ، ولنا وجه : أنه لا يصح الوضوء بنية الاستباحة ، وهو غلط . وإن نوى استباحة صلاة بعينها ، ولم ينف غيرها ، صح الوضوء لها ولغيرها . وإن نفى أيضا ، صح ، على الأصح . ولا يصح في الثاني ، ويصح في الثالث ، لما نوى فقط ، ولو
نوى ما يستحب له الوضوء ، كقراءة القرآن ، والجلوس في المسجد ، وسماع الحديث وروايته ، لم يصح على الأصح . ولو
نوى تجديد الوضوء . فعلى الوجهين . وقيل : لا يصح قطعا . ولو شك في الحدث فتوضأ محتاطا فتيقن الحدث ، لم يعتد به على الأصح ، لأنه توضأ مترددا وقد زالت الضرورة بالتيقن . ولو تيقن الحدث ، وشك في الطهارة فتوضأ ، ثم بان محدثا ، أجزأه قطعا ، لأن الأصل بقاء الحدث فلا يضر التردد معه . ولو
نوى ما لا يستحب له الوضوء ، كدخول السوق ، لم يصح . الأمر الثالث : فرض الوضوء ، أو أداء الوضوء ، وذلك كاف قطعا وإن كان الناوي صبيا .
[ ص: 49 ] فرع
إذا نوى أحد الأمور الثلاثة ، وقصد ما يحصل معه بلا قصد ، بأن
نوى رفع الحدث والتبرد ، أو رفع الجنابة والتبرد ، فالصحيح : صحة طهارته . ولو
اغتسل جنب يوم الجمعة بنية الجمعة والجنابة ، حصلا على الصحيح . ولو اقتصر على نية الجنابة ، حصلت الجمعة أيضا في الأظهر .
قلت : الأظهر عند الأكثرين : لا تحصل . والله أعلم .
ولو
نوى بصلاته الفرض ، وتحية المسجد ، حصلا قطعا ، ولو
نوى رفع الحدث ، ثم نوى في أثناء طهارته التبرد . فإن كان ذاكر النية ، رفع الحدث ، فهو كمن نواهما ابتداء ، فيصح على الصحيح . وإن كان غافلا ، لم يصح ما أتى به بعد ذلك على الصحيح .
أما وضوء الضرورة ; فهو وضوء المستحاضة ، وسلس البول ونحوهما ممن به حدث دائم ، والأفضل : أن ينوي رفع الحدث واستباحة الصلاة . وفي الواجب أوجه . الصحيح : أنه يجب نية الاستباحة دون رفع الحدث . والثاني : يجب الجمع بينهما . والثالث : يجوز الاقتصار على أيهما شاءت . ثم إن نوت فريضة واحدة ، صح قطعا ، لأنه مقتضى طهارتها . وإن نوت نافلة معينة ونفت غيرها ، فعلى الأوجه الثلاثة المتقدمة في غيرها .
فرع
لو كان يتوضأ ثلاثا ، فنسي لمعة في المرة الأولى ، فانغسلت في الثانية أو الثالثة ، وهو يقصد التنفل ، أو انغسلت في تجديد الوضوء ، فوجهان . الأصح : في الصورة الأولى يجزئه ، وفي مسألة التجديد لا يجزئه .
[ ص: 50 ] قلت : ولو نسي اللمعة في وضوئه أو غسله ، ثم نسي أنه توضأ ، أو اغتسل ، فأعاد الوضوء أو الغسل بنية الحدث ، أجزأه ، وتكمل طهارته بلا خلاف . والله أعلم .
ولو
فرق النية على أعضائه ، فنوى عند الوجه رفع الحدث عنه ، وعند اليد والرأس والرجل كذلك ، صح وضوءه على الأصح . والخلاف في مطلق التفريق على الصحيح المعروف . وقيل : هو فيمن نوى رفع الحدث عن كل عضو ، ونفى غيره ، دون من اقتصر عليه ، وإذا قلنا في مسألة اللمعة : لا يعتد بالمغسول في الثانية ، فهل يبطل ما مضى ، أم يبني عليه ؟ فيه وجها تفريق النية ، إن جوزنا التفريق ، جاز البناء ، وإلا فلا . ولا يشترط إضافة الوضوء إلى الله تعالى على الأصح .
قلت : قال أصحابنا : يستحب أن
ينوي بقلبه ، ويتلفظ بلسانه ، كما سيأتي في سنن الوضوء . فإن اقتصر على القلب ، أجزأه ، أو اللسان ، فلا . وإن جرى على لسانه حدث ، أو تبرد ، وفي قلبه خلافه ، فالاعتبار بالقلب ، ولو نوى الطهارة ولم يقل : عن الحدث ، لم يجزئه على الصحيح المنصوص . ولو نوت المغتسلة عن الحيض تمكين زوج من وطئها ، فأوجه . الأصح : تستبيح الوطء والصلاة وكل شيء يقف على الغسل . والثاني : لا تستبيح شيئا . والثالث : تستبيح الوطء وحده . ولو نوى أن يصلي بوضوئه صلاة ، وأن لا يصليها ، لم يصح ، لتلاعبه وتناقضه .
ولو ألقي إنسان في نهر مكرها فنوى فيه رفع الحدث ، صح وضوءه . ولو
غسل المتوضئ أعضاءه إلا رجليه ، ثم سقط في نهر فانغسلتا وهو ذاكر النية ، صح ، وإلا ، لم يحصل غسل رجليه على الأصح . ولو أحرم بالصلاة ، ونوى الصلاة ودفع غريمه ، صحت صلاته . قاله في ( الشامل ) ولو
نوى قطع الوضوء بعد الفراغ منه ، لم يبطل على الصحيح . وكذا في أثنائه على الأصح . ويستأنف النية لما بقي إن جوزنا تفريقها وإلا استأنف الوضوء . والله أعلم .