الركن الثاني :
اللفظ ، وفيه ثلاثة أطراف : أحدها في اللفظ الذي يقع به الطلاق ، والثاني ، في الأفعال القائمة مقامه . والثالث في تفويض الطلاق إلى الزوجة وأحكام تفويضه . أما الأول ،
فاللفظ : صريح وهو ما لا يتوقف وقوع الطلاق به على نية ،
وكناية وهو ما توقف على نية ، أما الصريح ، فلفظ الطلاق والسراح والفراق وحكى
أبو الحسن العبادي ، أن
أبا عبد الرحمن القزاز نقل قولا قديما أن السراح والفراق كنايتان ، والمشهور الأول ، فقوله : أنت طالق ، أو مطلقة ، أو يا طالق أو يا مطلقة ، صريح . وقيل : يا مطلقة وأنت مطلقة كناية ، والصحيح الأول . وأما المشتق من الإطلاق كقوله : أنت مطلقة بإسكان الطاء أو يا مطلقة ، فليس بصريح على الصحيح لعدم اشتهاره ، وإن كان الإطلاق والتطليق متقاربين .
وفي قوله : أنت طلاق ، أو الطلاق ، أو طلقة وجهان : أصحهما أنه كناية . ولو
قال : أنت نصف طلقة ، فكناية . قال
البغوي : ولو قال : أنت كل طلقة أو نصف طالق ، فصريح ، كقوله : نصفك طالق .
ونقل العبادي خلافا في قوله : أنت نصف طلقة ، ويجوز أن يجيء هذا الخلاف
[ ص: 24 ] في قوله نصف طالق . ولو قال : أنت والطلاق أو أنت وطلقة ، فكناية ، أي : قرنت بينك وبينها . وإذا قلنا بالمشهور في لفظي السراح والفراق ، فقوله : فارقتك وسرحتك صريحان ، وفي الاسم منهما وهو مفارقة ومسرحة وجهان ، سواء الوصف ، كقوله أنت مسرحة أو مفارقة ، والنداء كقوله : يا مسرحة أو يا مفارقة ، أصحهما صريحان أيضا ، وقوله : أنت السراح ، أو أنت الفراق على الوجهين في : أنت الطلاق .
فرع
قال : أردت بقولي : طالق ، إطلاقها من الوثاق ، وبالفراق المفارقة في المنزل ، وبالسراح إلى منزل أهلها ، أو قال : أردت خطاب غيرها فسبق لساني إليها ، دين ولم يقبل ظاهرا ، فلو صرح ، فقال : أنت طالق من وثاق ، أو سرحتك إلى موضع كذا ، أو فارقتك في المنزل ، خرج عن كونه صريحا وصار كناية . قال
المتولي : وهذا في ظاهر الحكم ، وأما بينه وبين الله تعالى ، فإنما لا يقع الطلاق إذا كان على عزم أن يأتي بهذه الزيادة من أول كلامه ، فأما إذا قال : أنت طالق ، ثم بدا له فوصل به هذه الزيادة ، فالطلاق واقع في الباطن . ولو لم يكن عازما على هذه الزيادة أولا ثم نواها في أثناء الكلام ، فوجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى في الاستثناء وغيره ، وكذلك التديين إذا لم يتلفظ بالزيادة ، وقال : نويتها ، إنما يدين إذا كان ناويا من أول الكلام ، فإن حدثت بعد الفراغ من الكلام ، فلا ، وإن حدثت في أثنائه ، فعلى الوجهين .
فرع
قوله : أوقعت عليك طلاقي ، صريح ذكره
الروياني . ولو قال : لك طلقة ، أو وضعت عليك طلقة ، فوجهان .
[ ص: 25 ] فرع
ذكر الأصحاب أن
صريح الطلاق ثلاثة : الطلاق ، والسراح ، والفراق ، وأهملوا ذكر شيئين هنا أحدهما : لفظ الخلع ، وفي كونه صريحا في الطلاق خلاف سبق ، والثاني : قوله الحلال علي حرام ، وفي كونه صريحا خلاف نذكره إن شاء الله تعالى قريبا .
فرع
ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات ، صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات ، كشهرة العربية عند أهلها ، وقيل : وجهان . ثانيهما : أنها كناية ، وترجمة السراح والفراق فيها الخلاف ، لكن الأصح هنا أنها كناية ، قاله الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني ، لأن ترجمتهما بعيدة عن الاستعمال .
فرع
إذا
اشتهر في الطلاق لفظ سوى الألفاظ الثلاثة الصريحة ، كحلال الله علي حرام ، أو أنت علي حرام ، أو الحلال أو الحل علي حرام ، ففي التحاقه بالصريح أوجه ، أصحها : نعم لحصول التفاهم ، وغلبة الاستعمال ، وبهذا قطع
البغوي ، وعليه تنطبق فتاوى
القفال ،
والقاضي حسين والمتأخرين . والثاني : لا ، ورجحه
المتولي . والثالث ، حكاه الإمام عن
القفال : أنه إن نوى شيئا آخر من طعام أو غيره ، فلا طلاق . وإذا ادعاه ، صدق ، وإن لم ينو شيئا ، فإن كان فقيها يعلم أن الكناية لا تعمل إلا بالنية ، لم يقع ، وإن كان عاميا سألناه عما يفهم إذا سمعه من غيره ، فإن قال : يسبق إلى فهمي منه الطلاق ، حمل على ما يفهم ،
[ ص: 26 ] والذي حكاه
المتولي عن
القفال ، أنه إن نوى غير الزوجة ، فذاك ، وإلا فيقع الطلاق للعرف .
قلت : الأرحج الذي قطع به العراقيون والمتقدمون ، أنه كناية مطلقا . والله أعلم .
وأما البلاد التي لا يشتهر فيها هذا اللفظ للطلاق ، فهو كناية في حق أهلها بلا خلاف . وفي فتاوى
القاضي حسين ، أنه لو
كان له امرأتان ، فقال : حلال الله علي حرام إن دخلت الدار فدخل ، تطلق كل واحدة منهما طلقة ، ويوافقه ما ذكره
البغوي في " الفتاوى " أنه لو قال : حلال الله علي حرام وله أربع نسوة ، طلقن كلهن إلا أن يريد بعضهن ، لكن ذكر بعده أنه لو قال : إن فعلت كذا ، فحلال الله علي حرام وله امرأتان ففعل ، طلقت إحداهما ، لأنه اليقين ، ويؤمر بالتعيين قال : ويحتمل غيره فحصل تردد .
قلت : الظاهر المختار الجاري على القواعد ، أنه إذا لم ينوهما ، لا تطلق إلا إحداهما ، أو إحداهن ، لأن الاسم يصدق عليه ، فلا يلزمه زيادة ، وقد صرح بهذا جماعة من المتأخرين ، وهذا إذا نوى ب : حلال الله علي حرام الطلاق ، وجعلناه صريحا فيه . والله أعلم .