فصل
في
مسائل منثورة متعلقة بالصريح والكناية
في " الزيادات "
لأبي عاصم العبادي ، أنه لو قال : بعتك طلاقك ، فقالت : اشتريت ولم يذكرا عوضا ، لا يحصل فرقة إذا لم يكن نية ، وقيل : تقع طلقة بمهر المثل ، وأنه لو قال : لم يبق بيني وبينك شيء ونوى الطلاق ، لم تطلق ، وفي هذا توقف .
قلت : الصواب الجزم بالطلاق ، لأنه لفظ صالح ومعه نية . والله أعلم .
وأنه لو
قال : برئت من نكاحك ونوى ، طلقت ، وأنه لو
قال : برئت من طلاقك ونوى ، لم تطلق ، ولو
قال : برئت إليك من طلاقك ، قال
إسماعيل [ ص: 33 ] البوشنجي : هو كناية ، أي : تبرأت منك بوساطة إيقاع الطلاق عليك . ولو قال : أبرأتك ، أو عفوت عنك ، فكناية ، لإشعاره بالإسقاط ، وله عليها حقوق النكاح ، وتسقط بالطلاق وأنه لو قال : طلقك الله ، أو قال لأمته : أعتقك الله ، طلقت وعتقت ، وهذا يشعر بأنهما صريحان ، ورأى
البوشنجي أنهما كنايتان لاحتماله الإنشاء والدعاء . وقول مستحق الدين للغريم : أبرأك الله ، كقول الزوج : طلقك الله . ولو قال : أنت طال وترك القاف ، طلقت حملا على الترخيم . قال
البوشنجي : ينبغي أن لا يقع وإن نوى ، فإن قال : يا طال ، ونوى ، وقع ، لأن الترخيم إنما يكون في النداء ، فأما في غير النداء ، فلا يقع إلا نادرا في الشعر ، وأنه إذا
قال : الطلاق لازم لي ، أو واجب علي ، طلقت للعرف . ولو قال : فرض علي ، لم تطلق لعدم العرف فيه . ورأى
البوشنجي أن جميع هذه الألفاظ كناية ، لأنه لو قال : طلاقك علي ، واقتصر عليه ونوى ، وقع ، فوصفه بواجب أو فرض يزيده تأكيدا . وحكى صاحب " العدة " الخلاف فقال : لو
قال طلاقك لازم لي ، فوجهان . قال أكثر الأصحاب : هو صريح . ولو قال : لست بزوجة لي ، فالصحيح أنه كناية . وقيل : لغو . وفي فتاوى
القفال أنه لو
قال : اذهبي إلى بيت أبوي ونوى الطلاق ، إن نواه بقوله : اذهبي ، وقع ، وإن نواه بمجموع اللفظين ، لم يقع ، لأن قوله : إلى بيت أبوي لا يحتمل الطلاق ، بل هو لاستدراك مقتضى قوله : اذهبي . وأنه لو قال لها : أنت طالقان أو طوالق ، لم يقع إلا طلقة . وأنه لو
قال : كل امرأة لي طالق إلا عمرة ، ولا امرأة له سواها ، طلقت ، لأن الاستثناء مستغرق فبطل . ولو
قال : النساء طوالق إلا عمرة ، ولا زوجة له سواها ، لم تطلق . وإن
كانت امرأته في نسوة ، فقال : طلقت هؤلاء إلا هذه ، وأشار إلى زوجته ، لم تطلق . وأنه لو قال
[ ص: 34 ] لامرأته يا بنتي ، وقعت الفرقة بينهما عند احتمال السن ، كما لو قاله لعبده أو أمته .
قلت : المختار في هذا أنه لا يقع به فرقة إذا لم يكن له نية ، لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة . والله أعلم .
وأنه لو
كانت له زوجة تنسب إلى زوج أمها ، فقال : بنت فلان طالق ، لم تطلق ، لأنها ليست بنته حقيقة ، ولغيره في هذا احتمال .
قلت : ينبغي أن يقال : إن نواها طلقت ، ولا يضر الغلط في نسبها ، كنظيره في النكاح وإلا فلا ، ومراد
القفال بقوله : لم تطلق ، أي : في الظاهر ، وأما الباطن ، فيتعين أن يكون كما ذكرته . والله أعلم .
وأنه لو
قال : نساء المسلمين طوالق ، لم تطلق امرأته . وعن غيره : أنها تطلق ، وبني الخلاف على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ؟
قلت : الأصح عند أصحابنا في الأصول : أنه لا يدخل ، وكذا هنا : الأصح أنها لا تطلق . والله أعلم .
وأنه لو قال : بانت مني امرأتي ، أو حرمت علي ، لم يكن إقرارا بالطلاق ، لأنه كناية ، وأنه لو قال : أنت بائن ثم قال بعد مدة : أنت طالق ، ثلاثا ، وقال : أردت بالبائن الطلاق ، فلم يقع على الثلاث لمصادفتها البينونة ، لم يقبل منه ، لأنه متهم ، وأنه لو قال : بطلاقك لا أكلم فلانا فكلمه ، لم تطلق ، لأن الطلاق لا يحلف به .
[ ص: 35 ] وأنه لو قالت له زوجته واسمها فاطمة : طلقني ، فقال : طلقت فاطمة ، ثم قال : نويت فاطمة أخرى ، طلقت ، ولا يقبل قوله لدلالة الحال ، بخلاف ما لو قال ابتداء : طلقت فاطمة ، ثم قال : نويت أخرى . وقد يشكل هذا بما سبق ، أن السؤال لا يلحق الكناية بالصريح . وأنه لو
قال : طلقت ولم يزد عليه ، لا يقع الطلاق ، وإن نوى ، لأنه لم يجر للمرأة ذكر ولا دلالة ، فهو كما لو قال : امرأتي ونوى الطلاق ، وأنه لو قال لولي امرأته : زوجها ، كان إقرارا بالفراق . ولو قال لها : انكحي ، لم يكن إقرارا ، لأنها لا تقدر أن تنكح ، ولكن المفهوم منه ما يفهم من قول الله تعالى : (
تنكح زوجا غيره ) .
قلت : الصواب أنه كناية إذا خاطبها به ، بخلاف الولي ، لأنه صريح فيه . والله أعلم .
ومما نقل من معلقات
القاضي شريح الروياني من أصحابنا المتأخرين ، ما حكاه عن جده
أبي العباس الروياني وغيره ، أنه لو
قال : أحللتك ونوى طلاقها ، هل هو كناية ؟ وجهان .
قلت : الأصح أنه كناية . والله أعلم .
وأنه لو
قال : أنت بائن وطالق ، يرجع إلى نيته في " بائن " ، ولا يجعل قوله : " وطالق " تفسيرا له .
وأنه لو كرر كناية ، كقوله : اعتدي اعتدي اعتدي ، ونوى الطلاق ، فإن نوى التأكيد وقعت واحدة ، وإن نوى الاستئناف ، فثلاث ، وإن لم ينو ، فقولان . ولو كانت الألفاظ مختلفة ، ونوى بها الطلاق ، وقع بكل لفظة طلقة .
وإن
القفال قطع بأنه لو قال : طلقت ، ونوى امرأته ، لم تطلق لعدم الإشارة والاسم .
[ ص: 36 ] ولو قيل له : ما تصنع بهذه الزوجة ؟ طلقها ، فقال : طلقت ، أو
قال لامرأته : طلقي نفسك ، فقالت : طلقت ، وقع الطلاق ، لأنه يترتب على السؤال والتفويض ، وأنه لو قال : أنت بطلقة ، ونوى ، لم تطلق . وأنه لو كان له زوجتان ، إحداهما فاطمة بنت محمد ، والأخرى فاطمة بنت رجل سماه أبواه أيضا محمدا ، إلا أنه اشتهر في الناس بزيد ، وبه يدعونه ، فقال الزوج : زوجتي فاطمة بنت محمد طالق ، وقال : أردت بنت الذي يدعونه زيدا ، قال جدي : يقبل لأن الاعتبار بتسمية أبويه ، وقد يكون للرجل اسمان ، وأكثر ، وقيل : الاعتبار بالاسم المشهور في الناس ، لأنه أبلغ في التعريف . وأنه لو قال : امرأتي هذه محرمة علي لا تحل لي أبدا ، قال جدي : لا تطلق ، لأن التحريم قد يكون بغير الطلاق ، وقد يظن التحريم المؤبد باليمين على ترك الجماع ، وقيل : يحكم عليه بالبينونة لمقتضى هذا اللفظ ، وأنه لو قيل لرجل اسمه زيد : يا زيد ، فقال : امرأة زيد طالق ، قال جدي : تطلق امرأته . وقال غيره : لا تطلق حتى يريد نفسه لجواز إرادة زيد آخر . وليجئ هذا الوجه ، فيما إذا قال : فاطمة طالق واسم زوجته فاطمة ، ويشبه أن يكون هو الأصح ليكون قاصدا تطليق زوجته ، وأنه لو قيل : طلقت امرأتك ، فقال : اعلم أن الأمر على ما تقوله ، فهل يكون هذا إقرارا بالطلاق ؟ وجهان حكاهما جدي ، أصحهما ليس بإقرار لأنه أمره أن يعلم ، ولم يحصل هذا العلم ، وأنها لو ادعت أنه طلقها ثلاثا ، فأنكر ، ثم قال لفقيه : اكتب لها ثلاثا ، قال جدي : يحتمل كونه كناية ، ويحتمل أن لا يكون ، وأنه لو قال : امرأتي التي في هذه الدار طالق ، ولم تكن امرأته فيها ، لا يقع الطلاق ، وأنه لو قال : رددت عليك الطلقات الثلاث ، ونوى ، وقع الثلاث . وأنه لو قال : امرأته طالق ، وعنى نفسه ، قال جدي : يحتمل وقوع الطلاق ، ويحتمل عدمه .
[ ص: 37 ] قلت : الوقوع أرجح . والله أعلم .
وأنه لو قال لابنه : قل لأمك أنت طالق ، قال جدي : إن أراد التوكيل ، فإذا قاله لها الابن ، طلقت ، ويحتمل أن يقع ويكون الابن مخبرا لها بالحال .
وأنه لو قال : كل امرأة في السكة طالق ، وزوجته في السكة ، طلقت على الأصح . وأنه لو وكل في طلاقها ، فقال الوكيل : طلقت من يقع الطلاق عليها بلفظي ، هل تطلق التي وكله في طلاقها ؟ أو طلقها ولم ينو عند الطلاق أن يطلق لموكله ، ففي الوقوع وجهان .
وفي فتاوى
القاضي حسين ، أنه لو قيل له : فعلت كذا ، فأنكر ، فقيل له : إن كنت فعلته فامرأتك طالق ، قال نعم ، لم تطلق ، لأنه لم يوقعه . قال
البغوي : ينبغي أن يكون على القولين ، فيمن قيل له : طلقتها ؟ قال : نعم .
وفي المستدرك للإمام
إسماعيل البوشنجي ، أنه لو قال لزوجته : وهبتك لأهلك ، أو لأبيك أو للأزواج أو للأجانب ، ونوى الطلاق ، طلقت ، كقوله : الحقي بأهلك .
وأنه لو
قال لامرأته : أنت كذا ونوى الطلاق ، لم تطلق . وكذا لو علق بصفة ، فقال : إن لم أدخل الدار ، فأنت كذا ، ونوى ، لم تطلق لأنه لا إشعار له بالفرقة ، فأشبه إذا قال : إن لم أدخل الدار فأنت كما أضمر ، ونوى الطلاق ، فإنها لا تطلق ، وأنه لو قال : أربع طرق عليك مفتوحة ، فخذي أيها شئت ، أو لم يقل : خذي أيها شئت ، أو قال : فتحت عليك طريقك ، فكناية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14561أبو بكر الشاشي : إذا لم يقل : خذي أيها شئت ، فليس كناية ، ووافق في قوله : فتحت عليك طريقك
[ ص: 38 ] أنه كناية . وأنه لو قال : خذي طلاقك ، فقالت : أخذت ، لم تطلق ما لم توجد نية الإيقاع من الزوج بقوله : خذي أو من المرأة إن حمل قوله على تفويض الطلاق إليها .
وفي " الإقناع " لأقضى القضاة
الماوردي ، أن قوله : لعل الله يسوق إليك خيرا كناية ، وذكر هو وغيره أن قوله : بارك الله لك ، كناية ، بخلاف قوله : بارك الله فيك .
وفي " فتاوى
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي " : إذا كتب الشروطي إقرار رجل بالطلاق ، فقال له الشهود : نشهد عليك بما في هذا الكتاب ؟ فقال : اشهدوا ، لا يقع الطلاق بينه وبين الله تعالى ، بل لو قال : اشهدوا على أني طلقتها أمس ، وهو كاذب ، لم يقع فيما بينه وبين الله تعالى .
وفي " التتمة " أنه لو
قال لواحدة من نسائه : أنت طالق مائة طلقة ، فقالت : تكفيني ثلاث ، فقال : الباقي على صواحبك ، لا يقع على صواحبها طلاق ، لأنه لم يخاطبهن ، وإنما رد عليها شيئا لاغيا ، فإن نوى به الطلاق ، كان طلاقا وكان التقدير : أنت طالق بثلاث ، وهن طوالق بالباقي وأنه لو قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، وأنت يا أم أولادي ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14741أبو عاصم العبادي : لا تطلق ، وهو كما قال غيره : لو قال لزوجته : نساء العالمين طوالق وأنت يا فاطمة ، لا تطلق ، لأنه عطف على نسوة لم يطلقن ، وأنه لو قال له رجل : فعلت كذا فأنكر ، فقال الرجل : الحل عليك حرام ، والنية نيتي أنك ما فعلت ، فقال : الحل علي حرام ، والنية نيتك ما فعلته ، لغا قوله : النية نيتك ، ويكون الحكم كما لو تلفظ بهذا اللفظ ابتداء . ولو قال له لما أنكر : امرأتك طالق إن كنت كاذبا ، فقال : طالق ، وقال : ما أردت طلاق امرأتي ، يقبل ; لأنه لم توجد إشارة إليها ولا تسمية ، وإن لم يدع إرادة غيرها ، حكم بوقوع الطلاق وبالله التوفيق .
[ ص: 39 ] فرع
قال :
أنت طالق ثلاثا أو لا ، بإسكان الواو ، لا يقع شيء . قال
المتولي : كما لو
قال : هل أنت طالق ؟ ولو
قال : أنت طالق أولا بتشديد الواو وهو يعرف العربية ، طلقت .