السبب الثاني : الإكراه .
التصرفات القولية المحمول عليها بالإكراه بغير حق ، باطلة سواء الردة والبيع ، وسائر المعاملات والنكاح ، والطلاق والإعتاق وغيرها ، وأما ما حمل عليه بحق ، فهو صحيح ، فيحصل من هذا أن إسلام المرتد والحربي مع الإكراه ، صحيح ، لأنه بحق ، ولا يصح إسلام الذمي مكرها على الأصح ، والمؤلي بعد مضي المدة إذا أطلق بإكراه القاضي ، نفذ لأنه بحق ، أو لأنه ليس بحقيقة إكراه ، فإنه لا يتعين الطلاق . قال
المتولي : هذا في الطلقة الواحدة ، وأما إذا
أكرهه الإمام على ثلاث طلقات فتلفظ بها ، فإن قلنا : لا ينعزل بالفسق ، وقعت واحدة ولغت الزيادة . وإن قلنا : ينعزل ، لم يقع شيء كما لو أكرهه غيره ، وثبت التحريم بالرضاع مع الإكراه ، وفي امتناع القصاص وحد الزنا في حق الرجل بالإكراه خلاف في موضعه .
فصل
إنما
يندفع الطلاق بالإكراه ، إذا لم يظهر ما يدل على اختياره . فإن ظهر بأن خالف المكره ، وأتى بغير ما حمله عليه ، حكم بوقوع الطلاق ، ولذلك
[ ص: 57 ] صور منها أن يكرهه على طلقة فيطلق ثلاثا ، أو على ثلاث ، فيطلق واحدة ، أو على طلاق زوجتين ، فيطلق إحداهما ، أو على أن يطلق بصريح ، فطلق بكناية أو بصريح آخر ، أو بالعكس ، أو على تنجيز الطلاق فعلقه ، أو بالعكس ، فلا عبرة بالإكراه في كل هذه الصور ، ويقع ما أتى به .
ولو
أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه ، فطلق واحدة بعينها ، وقع على المذهب لأنه مختار في تعيينها وحكى
المتولي فيه خلافا ، ولو أكرهه على طلاق زوجة فطلق زوجتين ، نظر إن قال له : طلق زوجتك حفصة ، فقال لها ولضرتها عمرة : طلقتكما ، طلقتا ، لأنه عدل عن كلمة الإكراه . وإن قال : طلقت حفصة وعمرة ، أو : وطلقت عمرة ، أو حفصة طالق وعمرة طالق ، طلقت عمرة ولم تطلق حفصة ، هكذا فصله
البغوي والمتولي وغيرهما ، ولم يفصل الإمام بين العبارتين ، بل أطلق عن الأصحاب الحكم بوقوع الطلاق على الضرتين . قال : وفيه احتمال ، إذ لا يبعد أن يكون مختارا في طلاق عمرة .
فرع
الإكراه على تعليق الطلاق ، يمنع انعقاده ، كما يمنع نفوذ التنجيز .
فرع
إن
ورى المكره بأن قال : أردت بقولي : طلقت فاطمة غير زوجتي ، أو نوى الطلاق من وثاق ، أو قال في نفسه : إن شاء الله تعالى ، لم يقع الطلاق . وإذا ادعى التورية ، صدق ظاهرا في كل ما كان يدين فيه عند الطواعية .
وإن ترك التورية ، نظر إن كان غبيا لا يحسن التورية ، لم يقع طلاقه أيضا ، وإن كان عالما وأصابته دهشة بالإكراه وسل السيف ، فكذلك . وإن لم تصبه
[ ص: 58 ] دهشة ، فوجهان . أحدهما : يقع طلاقه ، وهو اختيار
القفال nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ، لإشعاره بالاختيار ، وأصحهما : لا ، لأنه مجبر على اللفظ . ولا نية تشعر بالاختيار .
ولو قصد المكره إيقاع الطلاق ، فوجهان . أحدهما : لا يقع ، لأن اللفظ ساقط بالإكراه ، والنية لا تعمل وحدها . وأصحهما : يقع لقصده بلفظه . وعلى هذا ، فصريح لفظ الطلاق عند الإكراه ، كناية ، إن نوى وقع ، وإلا فلا .
فرع
قال : طلق زوجتي وإلا قتلتك ، فطلقها وقع على الصحيح ، لأنه أبلغ في الإذن ، وقيل : لا يقع لسقوط حكم اللفظ بالإكراه . كما لو قال لمجنون : طلقها فطلق .
فرع
الوكيل في الطلاق إذا أكره على الطلاق . قال أبو
العباس الروياني : يحتمل أن يقال : يقع لحصول اختيار المالك ، ويحتمل أن لا يقع ، لأنه المباشر . قال : وهذا أصح .