فصل
طلاق المريض في الوقوع ، كطلاق الصحيح . ثم إن كان رجعيا ، بقي التوارث بينهما ما لم تنقض عدتها . فإن مات أحدهما قبل انقضاء عدتها ورثه الآخر ، وبعد انقضائها ، لا يرثه . ولو
طلقها في مرض موته طلاقا بائنا ، ففي كونه قاطعا للميراث قولان . الجديد : يقطع وهو الأظهر . والقديم ، لا يقطع ، وحجة الجديد انقطاع الزوجية ، ولأنها لو ماتت لم يرثها بالاتفاق . فإن قلنا بالجديد ، فلا إشكال ولا تفريع لوضوح أحكامه . وأما القديم ، فيتفرع عليه مسائل . منها : هل ترث
[ ص: 73 ] ما لم تنقض عدتها ، أم ما لم تتزوج ، أم أبدا ؟ فيه أقوال . فإن طلق قبل الدخول سقط القول الأول ، وجرى الآخران .
ولو
أبان في مرضه أربع نسوة ، ونكح أربعا ، ثم مات ، فهل يكون الإرث للأوليات لسبقهن ، أم للأخريات لأن هن الزوجات ، أم يشترك الثمان ؟ فيه أوجه . أصحها : الثالث . وقال الإمام : وسبب الخلاف ما في توريث الزيادة على الأربع من الاستبعاد . فلو أبان امرأته ونكح أخرى ، فلا وجه إلا توريثهما . ولو أبان واحدة ونكح أربعا أو بالعكس ، جرى الخلاف ، وإنما ترث المبتوتة على القديم إذا طلقها لا بسؤالها ، فإن طلقها بسؤالها ، أو اختلعت ، أو
قال : أنت طالق إن شئت ، فشاءت ، لم ترث على الصحيح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة : ترث وإن طلق بسؤالها . ولو سألته فلم تطلق في الحال ، ثم طلقها أو سألته رجعيا فأبانها ، ورثت لأنه فار .
ولو
علق طلاقها في المرض بمضي مدة ، أو فعل نفسه ، أو أجنبي ، فهو فار وفي الأجنبي وجه .
وإن علق بفعلها ، فإن لم يكن لها منه بد ، كالنوم والقيام والقعود والأكل والشرب والطهارة ، والصلاة والصوم المفروضين ، ففار .
قلت : وهذا في الأكل الذي يحتاج إليه . فإن أكلت متلذذة ، أكلا يضرها فليس بفار . قاله الإمام . والله أعلم .
وإن كان لها منه بد ، ففار إن لم تعلم التعليق ، وإلا فلا . ولو علمت ثم نسيت ، ففيه احتمالان للإمام ، والأشبه أنه فار .
وإن
علق طلاقها في الصحة بصفة لا توجد إلا في المرض كقوله : إذا مرضت مرض الموت ، أو وقعت في النزع فأنت طالق ، ففار : وإن احتمل وجودها
[ ص: 74 ] في المرض وقبله ، كقوله : إذا جاء غد ، أو قدم زيد ، فأنت طالق ، فجاء أو قدم وهو مريض ، فليس بفار على الأظهر .
ولو فسخ النكاح بعينها أو لاعنها ، فليس بفار . وقيل : إن كان القذف في المرض ، ففار .
قلت : وقيل : إن الفاسخ فار . والله أعلم .
ولو
طلق العبد امرأته ، أو الحر زوجته الأمة ، أو المسلم ذمية ، ثم عتق العبد أو الأمة ، أو أسلمت الذمية في العدة ، فلا إرث لأنها لم تكن وارثة يوم الطلاق ، فلا تهمة . وكذا لو أبانها في مرضه بعدما ارتد ، أو ارتدت ثم جمعهما الإسلام في العدة ، لأنها لم تكن وارثة يومئذ . ولو ارتدت بعدما أبانها في المرض ، ثم عادت إلى الإسلام ، فهو فار للتهمة .
ولو
قال لزوجته الأمة : أنت طالق غدا ، فعتقت قبل الغد ، أو طلقها وهو لا يعلم أنها عتقت ، فليس بفار ، وكذا لو ارتد في المرض قبل الدخول أو بعده وأصر إلى انقضاء العدة ، ثم عاد إلى الإسلام ومات ، لم يكن فارا على الصحيح ، لأنه لا يقصد بتبديل الدين حرمانها الإرث ، وفيه وجه ضعيف . وقيل بطرده فيما لو ارتدت هي حتى تجعل فارة ، فيرثها الزوج .
ولو
أبان مسلمة في المرض ، وارتدت وعادت إلى الإسلام في العدة ، ورثت لأنها بصفة الوارثين يومي الطلاق والموت ، وكذا لو عادت بعد العدة ، إن قلنا : المبتوتة ترث بعد انقضاء العدة .
ولو طلق الأمة في المرض ، وعتقت واختلفا فقالت : طلقني بعد العتق فإرث ، وقال الوارث : بل قبله فلا إرث ، فالقول قول الوارث بيمينه ، لأن الأصل بقاء الرق .
[ ص: 75 ] ولو أرضعت زوجها الصغير في مرض موتها ، فقيل : تجعل فارة فيرثها الزوج ، والصحيح خلافه .
ولو أقر في مرض ، بأنه أبانها في الصحة ، لم يجعل فارا ويصدق فيما قاله ، وتحسب العدة من يومئذ ، وفيه وجه للتهمة ، والصحيح الأول . ولو
طلق إحدى امرأتيه ، ثم مرض مرض الموت فقال : عنيت هذه ، قبل قوله ، ولم ترث . وإن كان قد أبهم ، فعين في المرض واحدة ، قال
إسماعيل البوشنجي : يخرج على أن التعيين إيقاع للطلاق في المعينة ، أم بيان لمحل الطلاق الواقع ؟ إن قلنا : بالثاني ، لم ترث . وإلا فعلى قولي توريث المبتوتة .
قلت : إنما ترث المبتوتة على القديم إذا أنشأ تنجيز طلاق زوجته الوارثة بغير رضاها في مرض مخوف ، واتصل به الموت ومات بسببه . فإن برأ من ذلك المرض ، ثم مات ، لم ترث قطعا . ولو مات بسبب آخر ، أو قتل : في ذلك المرض ، فقطع صاحب " المهذب " وغيره ، بأنها لا ترث على القديم . وقال صاحب " الشامل " و " التتمة " : ترث . والله أعلم .