[ ص: 157 ] الطرف الخامس : في التعليق بالمشيئة . أما تعليقه بمشيئة الله تعالى ، فسبق بيانه ، وأما التعليق بمشيئة غيره ، فينظر ، إن
علق بمشيئة الزوجة مخاطبة ، فقال : أنت طالق إن شئت ، اشترط مشيئتها في مجلس التواجب ، كما سبق في " كتاب الخلع " ، فإن أخرت ، لم تقع ، وفيه قول شاذ ذكرناه في " كتاب الخلع " . ولو
قال لأجنبي : إن شئت فزوجتي طالق ، فالأصح أنه لا يشترط مشيئته على الفور ، وقيل : كالزوجة ، ورجحه
المتولي . ولو علق بمشيئتها لا مخاطبة ، فقال : زوجتي طالق إن شاءت ، لم تشترط المشيئة على الفور على الأصح ، وقيل : يشترط قولها : شئت في الحال إن كانت حاضرة ، وإن كانت غائبة ، فتبادر بها إذا بلغها الخبر . ولو
قال : امرأتي طالق إذا شاء زيد ، لم يشترط الفور بالاتفاق . ولو
قال : إن شئت وشاء فلان ، فأنت طالق ، اشترط مشيئتها على الفور ، وفي مشيئة فلان الوجهان ، أصحهما : لا يشترط الفور .
فصل
علق بمشيئتها أو مشيئة غيرها ، فقال المعلق بمشيئة الزوج : شئت إن شئت ، أو إن شاء فلان ، فقال الزوج أو فلان : شئت ، أو قال : شئت غدا ، لم يقع الطلاق ، لأنه علق على مشيئة مجزوم بها ، ولم تحصل . وحكى
الحناطي وجها : أنه يصح تعليق المشيئة ، ويقع الطلاق إذا قال الزوج : شئت ، وهذا غريب ضعيف . ولو شاء المعلق بمشيئته بلسانه وهو كاره بقلبه ، طلقت في الظاهر ، وفي الباطن وجهان ، قال
أبو يعقوب الأبيوردي : لا يقع ، كما لو أخبرت بالحيض كاذبة ، وإلى هذا مال
القاضي حسين ، وقال
القفال : يقع ، قال
البغوي : وهو الأصح ، لأن التعليق في الحقيقة بلفظ المشيئة .
قلت : قال
الرافعي في " المحرر " : الأصح الوقوع باطنا . والله أعلم .
[ ص: 158 ] ولو وجدت الإرادة دون اللفظ ، لم تطلق على قول
القفال ، وعلى قول
الأبيوردي وجهان .
فرع
علق بمشيئتها وهي صبية ، أو بمشيئة صبي ، فقالت : شئت ، أو قال : شئت ، لم تطلق على الأصح ، وقيل : تطلق إن شاءت وهي مميزة ، كما لو قال لها : أنت طالق إن قلت : شئت ، أما لو علق بمشيئتها وهي مجنونة أو صغيرة لا تميز ، أو بمشيئة غيرها ، وهو بهذه الصفة ، فقالت : شئت ، فلا تقع بلا خلاف . ولو قال المعلق بمشيئته : شئت وهو سكران ، خرج على الخلاف في أنه كالصاحي أو المجنون ، ولو علق بمشيئة أخرس ، فقال بالإشارة : شئت ، طلقت ، وإن علق بمشيئة ناطق ، فخرس ، وأشار بالمشيئة ، طلقت على الأصح .
فرع
قال : أنت طالق إذا شئت ، فهو كقوله : إن شئت ، وإن قال : متى شئت ، طلقت متى شاءت ، وإن فارقت المجلس .
فرع
إذا علق بمشيئتها ، فإن أراد أن يرجع قبل مشيئتها ، لم يكن له كسائر التعليقات .
فرع
قال : أنت طالق إن شاءت الملائكة ، لم تطلق ، لأن لهم مشيئة ، وحصولها غير معلوم ، ولو قال : إن شاء الحمار ، فكقوله : إن صعدت السماء ، ولو قال : إن شئت أنا ، فمتى شاء وقع .
[ ص: 159 ] فرع
قال لامرأتيه : إن شئتما فأنتما طالقان ، فشاءت كل واحدة طلاق نفسها دون ضرتها ، قال
إسماعيل البوشنجي : القياس وقوع الطلاق ، لأن المفهوم منه تعليق كل واحدة بمشيئتها ، وفي " التتمة " ما يقتضي تعليق طلاق كل واحدة بالمشيئتين .
فرع
ذكر
البغوي ، أنه لو
قال : أنت طالق كيف شئت ، قال
أبو زيد والقفال : تطلق شاءت أم لم تشأ ، وقال
الشيخ أبو علي : لا تطلق حتى توجد مشيئة في المجلس ، إما مشيئة أن تطلق ، وإما مشيئة أن لا تطلق ، قال
البغوي : وكذا الحكم في قوله : أنت طالق على أي وجه شئت . ولو
قال : أنت طالق إن شئت أو أبيت ، فمقتضى اللفظ وقوع الطلاق بأحد الأمرين : المشيئة أو الإباء ، كما لو
قال : أنت طالق إن قمت أو قعدت ، ولو قال : أنت طالق ، شئت أو أبيت ، طلقت في الحال ، إذ لا تعليق في هذا .
فصل
قال : أنت طالق ثلاثا ، إلا أن يشاء أبوك أو فلان واحدة ، فشاء واحدة ، فثلاثة أوجه ، أصحها : لا يقع شيء ، كما لو
قال : أنت طالق إلا أن يدخل أبوك الدار ، فدخل . وعلى هذا لو شاء اثنتين أو ثلاثا ، لم يقع شيء أيضا ، لأنه شاء واحدة وزاد ، والثاني : أنه إذا شاء واحدة وقعت ، والثالث ، يقع طلقتان ، وتقديره : أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء أبوك أن لا يقع واحدة منها ، فلا يقع ، فإذا قلنا بالأول ، فقال : أردت المراد بالثاني ، قبل ، وإن قلنا : بالثاني ، فقال : أردت
[ ص: 160 ] معنى الأول ، قبل أيضا على الأصح فلا يقع شيء ، ولو
قال : أنت طالق واحدة إلا أن يشاء أبوك ، أو إلا أن تشائي ثلاثا ، فإن شاء أو شاءت ثلاثا ، لم يقع شيء تفريعا على الأصح . وإن لم يشأ شيئا ، أو شاءت واحدة أو ثنتين ، وقعت واحدة . ولو
قال : أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت : شئت واحدة أو ثنتين ، لم يقع شيء ، ولو
قال : أنت طالق واحدة إن شئت ، فقالت : شئت ثنتين أو ثلاثا ، وقعت الواحدة .
فرع
قال : أنت طالق لولا أبوك ، لم تطلق على الصحيح . وفيه وجه ضعيف حكاه
المتولي . ولو
قال : أنت طالق لولا أبواك لطلقتك . قال الأصحاب : لا تطلق ، لأنه أخبر أنه لولا حرمة أبيها لطلقها ، وأكد هذا الخبر بالحلف بطلاقها ، كقوله : والله لولا أبوك لطلقتك . قال
المتولي : إنما لا تطلق إذا كان صادقا في خبره ، فإن كان كاذبا ، طلقت في الباطن ، وإن أقر أنه كان كاذبا ، طلقت في الظاهر أيضا .
فرع
قال : أنت طالق إلا أن يشاء أو يبدو لي ، قال
البغوي : يقع في الحال .
فرع
قال
البغوي : لو
قال لها : أحبي الطلاق ، أو اهوي ، أو أريدي ، أو ارضي ، وأراد تمليكها الطلاق ، فهو كقوله : شائي أو اختاري ، فإذا رضيت أو أحبت ، أو أرادت ، وقع الطلاق ، هذا لفظه . وقال
البوشنجي : إذا قال : شائي الطلاق ، ونوى وقوع الطلاق بمشيئتها فقالت : شئت ، لا تطلق ، وكذا لو قال : أحبي
[ ص: 161 ] أو أريدي ، لأنه استدعى منها المشيئة ولم يطلقها ، ولا علق طلاقها ، ولا فوضه إليها ، ولو قدر أنه تفويض ، فقولها : شئت ليس بتطليق ، وهذا أقوى . ولو
قال : إذا رضيت أو أحببت أو أردت الطلاق ، فأنت طالق ، فقالت : رضيت أو أحببت أو أردت ، طلقت . ولو قالت : شئت ، قال
البوشنجي : ينبغي أن لا يقع ، وكذا لو قال : إن شئت ، فقالت : أحببت أو هويت ، لأن كلا من لفظي المشيئة والمحبة يقتضي ما لا يقتضيه الآخر . ولهذا يقال : الإنسان يشاء دخول الدار ، ولا يقال : يحبه ، ويحب ولده ، ولا يسوغ لفظ المشيئة فيه .
فرع
قال : أنت طالق إلا أن يرى فلان غير ذلك ، أو إلا أن يشاء أو يريد غير ذلك ، أو إلا أن يبدو لفلان غير ذلك ، فلا يقع الطلاق في الحال ، بل يقف الأمر على ما يبدو من فلان ، ولا يختص ما يبدو منه بالمجلس . ولو مات فلان وفات ما جعله مانعا من الوقوع ، تبين وقوع الطلاق قبيل موته .
فرع
ذكر
البوشنجي أنه لو
قال : أنت طالق إن لم يشأ فلان ، فقال فلان : لم أشأ ، وقع الطلاق . وكذا لو قال : إن لم يشأ فلان طلاقك اليوم ، فقال فلان في اليوم : لا أشاء ، وقع الطلاق ، وقياس التعليق ينفي الدخول وسائر الصفات أن يقال : إنه وإن لم يشأ في الحال ، فقد يشاء بعد ، فلا يقع الطلاق إلا إذا حصل اليأس ، وفاتت المشيئة .
وفي صورة التقييد باليوم ، لا يقع إلا إذا مضى اليوم خاليا عن المشيئة ، ويجوز أن يوجه ما ذكره
البوشنجي بأن كلام المعلق محمول على تلفظه بعدم المشيئة ، فإذا قال : لم أشأ ، فقد تحقق الوصف .