فصل
تحته حفصة وعمرة ، فقال : يا عمرة ، فأجابته حفصة ، فقال : أنت طالق ، فإن قال : ظننت المجيبة عمرة ، لم تطلق عمرة ، لأنه لم يخاطبها بالطلاق ، بل ظن ذلك ، وظن الخطاب بالطلاق لا يقتضي وقوعه .
ولهذا لو
قال لزوجته : أنت طالق وهو يظنها زوجته الأخرى ، طلقت المخاطبة دون المظنونة ، ولو
قال لأجنبية : أنت طالق وهو يظنها زوجته ، لم يقع الطلاق على زوجته ، وأما حفصة المخاطبة ، فيقع عليها الطلاق على الأصح .
وأشار بعضهم إلى أن الخلاف في الوقوع باطنا ، وأنها تطلق ظاهرا بلا خلاف ، هذا ترتيب الأصحاب . وقال الإمام : لو قيل : تطلق حفصة ظاهرا قطعا ، وفي عمرة وجهان ، لكان محتملا ، ولو قال : علمت أن التي أجابتني حفصة ، سئل ، فإن قال : قصدت طلاق حفصة ، طلقت حفصة دون عمرة ، لأن قوله محتمل ، وإن قال : قصدت طلاق عمرة دون حفصة المجيبة ، طلقت عمرة ظاهرا وباطنا ، ويدين في حفصة ، ويقع طلاقها ظاهرا على الصحيح ، ولو كان النداء والجواب كما سبق ، لكن قال بعد جواب حفصة : زينب طالق لامرأة له ثالثة ، طلقت زينب دون حفصة وعمرة . ولو قال : أنت وزينب طالقان ، طلقت زينب ، ثم يسأل ؟ فإن قال : ظننت المجيبة عمرة ، لم تطلق عمرة ، وتطلق حفصة على الأصح . وإن قال : علمت أن المجيبة حفصة ، وقصدت طلاقها ، طلقت دون عمرة ، وإن قال : قصدت طلاق عمرة ، طلقت عمرة ظاهرا وباطنا ، وطلقت حفصة ظاهرا على الصحيح ، وهذه المسألة ليست من التعليق في شيء ، لكن التزام ترتيب الكتاب اقتضى جعلها هنا .
[ ص: 173 ] فصل
قال العبد لزوجته : إذا مات سيدي ، فأنت طالق طلقتين ، وقال السيد للعبد : إذا مت فأنت حر ، فمات ، نظر ، إن لم يحتمل الثلث جميع العبد رق ما زاد على الثلث ، ومن بعضه رقيق كالقن في عدد الطلاق ، فتقع الطلقتان ، وليس له رجعتها ولا نكاحها إلا بمحلل ، وإن احتمله الثلث عتق ، وفي تحريمها عليه وجهان ، أحدهما : لا تحل إلا بمحلل ، وأصحهما وبه قال
ابن الحداد : لا تحرم ، فله رجعتها ، وله تجديد نكاحها بلا محلل ، لأن العتق والطلاق وقعا معا ، فلم يكن رقيقا حال الطلاق حتى يفتقر إلى محلل ، ولا تختص المسألة بموت السيد ، بل يجري الخلاف في كل صورة تعلق عتق العبد ، ووقوع طلقتين على زوجته بصفة واحدة ، كما لو قال العبد : إذا جاء الغد ، فأنت طالق طلقتين ، وقال السيد : إذا جاء الغد فأنت حر ، ولو قال العبد ، إذا عتقت فأنت طالق طلقتين ، وقال السيد : إذا جاء الغد فأنت حر ، قال
الشيخ أبو علي : إذا جاء الغد ، عتق وطلقت طلقتين ، ولا تحرم عليه بلا خلاف ، لأن العتق سبق وقوع الطلاق ، ولو علق السيد عتقه بموته ، وعلق العبد الطلقتين بآخر جزء من حياة السيد ، انقطعت الرجعة ، واشترط المحلل بلا خلاف ، لأن الطلاق صادف الرق .
فرع
من له نكاح الأمة ، نكح أمة مورثه ، ثم قال لها : إذا مات سيدك ؟ فأنت طالق ، فمات السيد وورثه الزوج ، انفسخ النكاح ، ولم يقع الطلاق على الأصح ، وقيل : يقع سواء كان على السيد دين مستغرق أم لا ، وقيل : إن كان دين مستغرق ، نفذ الطلاق تفريعا على أن الدين يمنع انتقال الملك إلى الوارث ، فعلى هذا ، إذا قضي الدين ، بان انتقال الملك إليه ، وصار الدين كالمعدوم ، والصحيح الأول .
ولو علق الزوج طلاقها كما ذكرنا ، وقال السيد : إذا مت ، فأنت حرة ، فإن خرجت من الثلث ، عتقت وطلقت ، وإلا عاد الخلاف في نفوذ الطلاق ،
[ ص: 174 ] فلو أجاز الزوج عتقها وكان حائزا للإرث ، أو أجاز معه باقي الورثة ، فإن قلنا : الإجازة تنفيذ ، طلقت ، لأنها لم تدخل في ملك الوارث ، وإن قلنا : عطية من الوارث ، فقد دخلت في ملكه ، ويكون وقوع الطلاق على الخلاف ، ولو كاتبها السيد ومات ، قال
الشيخ أبو علي : في وقوع الطلاق الخلاف ، لأن المكاتب يورث ، ولهذا لو مات وبنته تحت مكاتبه ، انفسخ النكاح ، لأنها ورثت بعض زوجها ، وإذا لم يكن الزوج وارثا لسبب ، وقع الطلاق والانفساخ قطعا .
فرع
قال الحر لزوجته الأمة : إن اشتريتك ، فأنت طالق ، وقال سيدها : إن بعتك ، فأنت حرة ، فباعها لزوجها ، عتقت في الحال ، لأنا إن قلنا : الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف ، فالجارية ملكه ، وقد وجدت الصفة ، وإن قلنا : الملك للمشتري ، فللبائع الفسخ ، وإعتاقه فسخ ، فتعود الجارية بالإعتاق إلى ملكه ، وأما الطلاق ، فقد أطلق
ابن الحداد : أنه يقع ، قال الأصحاب : هذا تفريع على أن الملك في زمن الخيار للبائع ، فإن النكاح على هذا القول باق ، وقد وجد شرط الطلاق ، فيقع ، وكذا الحكم على قولنا : موقوف ، لأنه لم يتم البيع ، وأما إذا قلنا : الملك للمشتري ، فلا يقع الطلاق على الأصح ، كالمسألة السابقة في الفرع السابق ، ولو قال : إن ملكتك بدل اشتريتك ، لم يجئ فيه إلا هذا الخلاف الأخير ، ولو اشترى زوجته الأمة وطلقها في زمن الخيار ، فإن قلنا : الملك للبائع ، نفذ الطلاق ، وإن قلنا : للمشتري ، فلا ، وإن قلنا : موقوف ، فإن لم يتم البيع ، طلقت ، وإلا فلا ، قال
الشيخ أبو علي : ومتى وقع الطلاق ثم تم البيع ، فإن كان الطلاق رجعيا ، فله الوطء بملك اليمين ، ولا يلزم الصبر إلى
[ ص: 175 ] انقضاء العدة ، لأنها عدته ، كما له نكاح مختلعته في العدة ، وإن كان الطلاق بالثلاث ، فليس له وطؤها بملك اليمين قبل محلل على الأصح .
فصل
قال : أنت طالق يوم يقدم زيد ، فقدم نهارا ، طلقت ، وهل يقع الطلاق عقب القدوم ، أم نتبين وقوعه من طلوع الفجر ؟ وجهان . أصحهما الثاني ، وبه قال
ابن الحداد ، لأن الطلاق مضاف إلى يوم القدوم ، فأشبه قوله : يوم الجمعة ، فلو ماتت ، ثم قدم زيد ذلك اليوم ، فعلى الوجه الثاني ، ماتت مطلقة ، فلا يرثها الزوج إن كان الطلاق بائنا ، وكذلك لو مات الزوج بعد الفجر ، فقدم زيد في يومه ، لم ترث هي منه ، وعلى الوجه الأول ثبت الإرث ، ولو خالعها في أول النهار ثم قدم ، فعلى الوجه الأول الخلع صحيح ، ولا تطلق بالقدوم ، وعلى الثاني ، الخلع باطل إن كان الطلاق المعلق بائنا ، وإن كان رجعيا ، فعلى الخلاف في خلع الرجعية ، ولو كانت طاهرا في أول النهار فحاضت ، ثم قدم ، فعلى الوجه الثاني ، تحسب بقية ذلك الطهر قرءا ، وعلى الأول بخلافه ، ويجري الخلاف فيما لو قال : عبدي حر يوم يقدم زيد ، فباعه ، ثم قدم زيد في يوم البيع ، هل يصح البيع أم لا ؟ ولو قدم زيد ليلا ، لم تطلق على المذهب ، وبه قطع الجمهور . وقيل : وجهان ، لأن اليوم قد يستعمل في مطلق الوقت .
فصل
قال : أنت طالق هكذا ، وأشار بإصبع ، طلقت طلقة ، وإن أشار بإصبعين ، فطلقتين ، أو بثلاث فثلاثا ، قال الإمام : هذا إذا أشار إشارة مفهمة للطلقتين أو
[ ص: 176 ] الثلاث ، وإذا حصلت الإشارة المعتبرة ، فقال : أردت الإشارة بالإصبعين المقبوضتين ، صدق بيمينه للاحتمال ، وإن قال : أردت واحدة ، لم يقبل على الأصح . وقال صاحب " التقريب " : يقبل ، وإن قال : أنت طالق ، وأشار بالأصابع ولم يقل : هكذا ، لم يحكم بوقوع العدد إلا بالنية ، ولو قال : أنت هكذا ، وأشار بإصبعه الثلاث ، ففي فتاوى
القفال : أنه إن نوى الطلاق ، طلقت ثلاثا ، وإلا فلا ، كما لو قال : أنت ثلاثا ولم ينو بقلبه . وقال غيره : ينبغي أن لا تطلق وإن نوى ، لأن اللفظ لا يشعر بطلاق .
قلت : هذا الثاني أصح ، ويوافقه ما قطع به صاحب " المهذب " فقال : لو قال : أنت ، وأشار بأصابعه الثلاث ، ونوى الطلاق ، لا يقع ، لأنه ليس فيه لفظ طلاق ، والنية لا يقع بها طلاق من غير لفظ . - والله أعلم .
فرع
قال : إن دخلت الدار ، أو كلمت زيدا ، فأنت طالق ، أو أنت طالق إن دخلت الدار ، أو كلمت زيدا ، طلقت بأيهما وجد ، وتنحل اليمين ، فلا يقع بالصفة الأخرى شيء ، ولو قال : إن دخلت الدار ، وإن كلمت زيدا ، فأنت طالق ، أو أنت طالق إن دخلت الدار ، وإن كلمت زيدا ، أو قال : إن دخلت هذه الدار ، وإن دخلت الأخرى ، فأنت طالق ، أو قال : إن دخلت هذه الدار ، فأنت طالق ، وإن دخلت الأخرى ، وقع بالصفتين طلقتان ، وبإحداهما طلقة .
ولو قال : إن دخلت وكلمت زيدا ، فأنت طالق ، فلا بد من وجودهما ، وتقع طلقة واحدة ، وسواء تقدم الكلام على الدخول أو تأخر ، وأشار في " التتمة " ، إلى وجه في اشتراط تقدم الدخول ، تفريعا على أن الواو تقتضي الترتيب .
[ ص: 177 ] ولو قال : إن دخلت الدار ، فكلمت زيدا ، أو ثم كلمت زيدا ، فلا بد منهما ، ويشترط تقدم الدخول ، ولو
قال : إن دخلت الدار ، إن كلمت زيدا ، فأنت طالق ، أو قال : أنت طالق إن دخلت ، إن كلمت ، فلا بد منهما ، ويشترط تقدم المذكور آخرا على المذكور أولا ، ويسمى هذا اعتراض الشرط على الشرط ، لأنه جعل الكلام شرطا لتعليق الطلاق بالدخول ، والتعليق يقبل التعليق ، كما أن التنجيز يقبله ، ولهذا يصح أن يقول لعبده : إن دخلت الدار فأنت مدبر ، ومن هذا الباب قوله تعالى :
ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم [ هود : 34 ] وفي فتاوى
القفال : أنه يشترط تقدم المذكور أولا ، فإن قدمت الثاني ، لم تطلق ، وهذا غريب ضعيف .
ومال إمام الحرمين إلى أنه لا يشترط بالترتيب ، ويتعلق الطلاق بحصولهما كيف كان ، والصحيح الذي عليه الجماهير ، هو الأول ، قالوا : فإذا كلمته في المثال المذكور ثم دخلت ، طلقت ، وإن دخلت ثم كلمته ، لم تطلق .
قال
المتولي : وتنحل اليمين ، فلو كلمته بعد ذلك ثم دخلت ، لم تطلق ، لأن اليمين تنعقد على المرة الأولى ، وسواء كانت صيغة الشرط في الصفتين إن أو غيرها ، وسواء اتحدت الصيغة أم لا ، حتى لو قال : أنت طالق إذا دخلت ، إذا كلمت ، أو قال : إن دخلت إن كلمت ، أو بالعكس ، أو قال : متى كلمت ، فالحكم كما سبق ، ولو قال : إن أعطيتك ، إن وعدتك ، إن سألتني فأنت طالق ، اشترط وجود السؤال ، ثم الوعد ، ثم العطية ، والمعنى : إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق ،
[ وذكر صاحب " المهذب " أنه لو قال : إن سألتني إن أعطيتك إن وعدتك فأنت طالق ] اشترط السؤال ، ثم الوعد ، ثم العطية ، لكن مقتضى ما تمهل أنه يشترط وجود الوعد ، ثم العطية ، ثم السؤال ، والمعنى : إن
[ ص: 178 ] سألتني وأعطيتك إن وعدتك ، فأنت طالق ، وكأنه صور رجوع الكل إلى مطلوب واحد ، ولم ير للوعد معنى بعد العطية ، ولا للسؤال معنى بعد الوعد والعطية ، فحمله على ما ذكرناه .
فرع
قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، إن كلمت زيدا ، فقد يريد إذا دخلت الدار تعلق طلاقها بالكلام ، وقد يريد إذا كلمته تعلق طلاقها بالدخول ، فيراجع ، ويعمل بتفسيره .
فرع
قال : إن كلمت زيدا وعمرا ، أو بكرا مع عمرو ، فأنت طالق ، فإنما تطلق إذا كلمت زيدا وعمرا ، والأصح اشتراط كون بكر مع عمرو وقت تكليمه ، كما لو قال : إن كلمت فلانا وهو راكب .
فرع
قال
المتولي : عادة البغداديين إذا أراد أحدهم تعليقا بالدخول يقول : أنت طالق لا دخلت ، كما يقول الحالف ، والله لا أدخل ، والمعنى : إن دخلت فأنت طالق ، وعلى هذه العادة قال
ابن الصباغ : لو قال : أنت طالق لا كلمت زيدا وعمرا وبكرا ، فكلمتهم ، طلقت وإن كلمت بعضهم ، لم تطلق . ولو قال : لا كلمت زيدا وعمرا ولا بكرا ، فأيهم كلمته طلقت .
فرع
ذكر
ابن سريج ، أنه لو
قال : أنت طالق إن كلمت زيدا حتى يدخل عمرو [ ص: 179 ] الدار ، أو إلى أن يدخل ، فالغاية تتعلق بالشرط ، لا بنفس الطلاق ، والمعنى : أنت طالق إن كلمت زيدا قبل دخول عمرو الدار .