فصل
في مسائل تجري في مخاصمة الزوجين ومشاتمتهما
وأغلب ما تقع إذا واجهت زوجها بمكروه ، فيقول على سبيل المكافأة : إن كنت كذلك فأنت طالق ، يريد أن يغيظها بالطلاق كما غاظته بالشتم ، فكأنه يقول : تزعمين أني كذا فأنت طالق ، فإذا
قالت له : يا خسيس . فقال : إن كنت كذلك فأنت طالق ، نظر ، إن أراد المكافأة كما ذكرنا ، طلقت ، سواء كان خسيسا أو لم يكن ، وإن قصد التعليق ، لم تطلق إلا بوجود الخسة ، قال
أبو الحسن العبادي : الخسيس : من باع دينه بدنياه ، وأخس الأخساء من باع آخرته بدنيا غيره ، ويشبه أن يقال : الخسيس : من يتعاطى في العرف ما لا يليق بحاله لشدة بخله ، فإن شك في وجود الصفة - ويتصور ذلك كثيرا في مسائل الشتم والإيذاء - فالأصل أن لا طلاق ، وإن أطلق اللفظ ولم يقصد المكافأة ، ولا حقيقة اللفظ ، فهو للتعليق .
فإن عم العرف بالمكافأة ، كان على الخلاف السابق في أنه يراعي الوضع أو العرف ، والأصح وبه قطع
المتولي مراعاة اللفظ ، فإن العرف لا يكاد ينضبط في مثل هذا ، وأجاب
القاضي حسين بمقتضى الوجه الآخر ، ولو قالت : يا سفيه فقال : إن كنت كذلك ، فأنت طالق ، فإن قصد المكافأة ، طلقت في الحال ، وإن قصد التعليق ، طلقت إن كان سفيها ، وإن أطلق ، فعلى الخلاف ،
[ ص: 186 ] ويمكن أن يحمل السفه على ما يوجب الحجر ، وعلى هذا نظائر ما يقع به الشتم والإيذاء . وتكلموا في كلمات يدخل بعضها في حد الإفحاش ، ففي " التتمة " أن القواد : من يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينهم وبين الأهل ، ويشبه أن لا يختص بالأهل ، بل هو الذي يجمع بين الرجال والنساء بالحرام ، وأن القرطبان : الذي يعرف من يزني بزوجته ويسكت عليه ، وأن قليل الحمية : من لا يغار على أهله ومحارمه ، وأن القلاش : الذواق ، وهو من يوهم أنه يشتري الطعام ليذوقه وهو لا يريد الشراء ، وأن الديوث : من لا يمنع الناس الدخول على زوجته .
وفي " الرقم "
للعبادي : أنه الذي يشتري جارية تغني للناس ، وأن البخيل : من لا يؤدي الزكاة ، ولا يقري الضيف فيما قيل ، وأنه لو
قيل له : يا زوج القحبة ، فقال : إن كانت زوجتي بهذه الصفة فهي طالق ، فإن قصد التخلص من عارها ، وقع الطلاق ، كما لو قصد المكافأة ، وإلا فهو تعليق ، فينظر : هل هي بالصفة المذكورة أم لا ؟ قلت : القحبة : هي البغي ، وهي كلمة مولدة ليست عربية . - والله أعلم .
وأنه لو
قال لها في الخصومة : إيش تكونين أنت ، فقالت : وإيش تكون أنت ، فقال : إن لم أكن منك بسبيل فأنت طالق ، قال
القاضي حسين : إن قصد التعليق لم تطلق ، لأنها زوجته فهو منها بسبيل ، وإن قصد المغايظة والمكافأة ، طلقت .
والمقصود إيقاع الفرقة وقطع ما بينهما ، وأنها لو
قالت لزوجها : أنت من أهل النار ، فقال : إن كنت من أهل النار فأنت طالق ، لم يحكم بوقوع الطلاق إن كان الزوج مسلما ، لأنه من أهل الجنة ظاهرا ، وإن كان كافرا طلقت فإن أسلم بعد ذلك ، تبينا
[ ص: 187 ] أنها لم تطلق . ولو
قالت : يا سفلة ، فقال : إن كنت كذلك فأنت طالق ، قال
إسماعيل البوشنجي : الأولى أنه الذي يتعاطى الأفعال الدنيئة ويعتادها ، ولا يقع ذلك على من يتفق منه نادرا ، كاسم الكريم ، والسيد في نقيضه .
ولا يخفى أن النظر في تحقيق هذه الأوصاف ، إنما يحتاج إليه عند حمل اللفظ على التعليق ، فأما إذا حمل على المكافأة ، فيقع الطلاق في الحال .
فرع
الكوسج : من قل شعر وجهه مع انحسار الشعر عن عارضيه ، وعن
أبي حنيفة - رحمه الله - : أنه الذي عدد أسنانه ثمانية وعشرون .
فرع
قال
أبو العباس الروياني : الغوغاء : من يخالط المفسدين والمنحرفين ، ويخاصم الناس بلا حاجة . قال : والأحمق : من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصا بينا بلا مرض ولا سبب .
قلت : قال صاحب " المهذب " و " التهذيب " في باب كفارة الظهار : الأحمق : من يفعل الشيء في غير موضعه مع علمه بقبحه .
وفي " التتمة " و " البيان " أنه من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه . وفي " الحاوي " : أنه من يضع كلامه في غير موضعه ، فيأتي بالحسن في موضع القبيح ، وعكسه . قال أبو العباس ثعلب : الأحمق : من لا ينتفع بعقله . - والله أعلم .
فرع
قالت : يا جهودروي . فقال : إن كنت كذلك فأنت طالق ، وقصد التعليق ، قال
[ ص: 188 ] الإمام : وقعت المسألة في الفتاوى ، وأكثروا في التعبير عن هذه الصفة ، فقيل : هي صفرة الوجه ، وقيل : الذلة والخساسة ، وكان جوابنا فيه أن المسلم لا يكون بهذه الصفة ، فلا يقع الطلاق . قال في " الوسيط " : وفيه نظر .
فرع
لو
تخاصم الزوجان ، فقال أبوها للزوج : لم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا ؟ فقال : إن كنت رأيت مثل هذه اللحية كثيرا ، فابنتك طالق ، فهذه كناية عن الرجولية والفتوة ونحوهما فإن حمل اللفظ على المكافأة ، طلقت ، وإلا فلا لكثرة الأمثال .
فرع
قال
المتولي : لو
نسب إلى فعل سيئ كالزنا واللواط ، فقال : من فعل مثل هذا فامرأته طالق ، وكان ذلك فعله ، لم يقع طلاقه ، لأنه لم يوقع طلاقا ، وإنما غرضه ذم من يفعله ، ولو قال لزوجته : سرقت أو زنيت ، فقالت : لم أفعل ، فقال : إن كنت سرقت أو زنيت فأنت طالق ، حكم بوقوع الطلاق في الحال بإقراره السابق .
فصل
قال : إن خالفت أمري ، فأنت طالق ، ثم قال : لا تكلمي زيدا ، فكلمته ، قالوا : لا تطلق لأنها خالفت النهي دون الأمر ، ولو
قال : إن خالفت نهيي فأنت طالق ، ثم قال : قومي ، فقعدت ، وقع لأن الأمر بالشيء نهي
[ عن ] أضداده وهذا فاسد ، إذ ليس الأمر بالشيء نهيا عن ضده فيما يختاره . وإن كان ، فاليمين لا ينبني عليه ، بل على اللغة أو العرف ، لكن في المسألة الأولى نظر بسبب العرف .
[ ص: 189 ] فصل
قال : أنت طالق إلى حين أو زمان ، أو بعد حين ، طلقت بمضي لحظة ؟ ولو قال : إذا مضى حقب أو عصر فأنت طالق ، قال الأصحاب : يقع بمضي لحظة ، وهو بعيد لا وجه له .
فصل
لو
علق الطلاق بالضرب ، طلقت إذا حصل الضرب بالسوط أو الوكز أو اللكز ، ولا يشترط أن لا يكون حائل ، ويشترط الإيلام على الأصح ، وقيل : لا يشترط ، بل تكفي الصدمة ، وإلى هذا مال الإمام ، وقال : الإيلام وحده لا يكفي ، فإنه لو وضع عليه حجرا ثقيلا ، فانصدم تحته ، لم يكن ضربا وإن آلم .
قال : والصدم وحده لا يكفي ، فإنه لو ضربه بأنملة ، لا يقال : ضربه ، وكان المعتبر في إطلاق اسم الضرب الصدم بما يؤلم ، أو يتوقع منه إيلام . واتفق الأصحاب ، على أنه لا يقع الطلاق إذا كان المضروب ميتا ، وشذ
الروياني فحكى فيه خلافا ، والعض وقطع الشعر لا يسمى ضربا ، فلا يقع به الطلاق ، وتوقف
المزني في العض .
فصل
علق بالمس ، طلقت بمس شيء من بدنه حيا أو ميتا بلا حائل ، ولا يقع بمس الظفر والشعر . قال الإمام : الوجه القطع بهذا وإن أثبتنا خلافا في نقض الوضوء به ، والأشبه مجيء الخلاف .
فصل
علق بقدوم زيد ، طلقت إذا قدم راكبا أو ماشيا ، وإن قدم به ميتا لم
[ ص: 190 ] تطلق ، وإن حمل وقدم به حيا ، إن كان باختياره ، طلقت ، وإلا فلا على المذهب .