صفحة جزء
المسألة الثامنة : قال : والله لا أجامعك سنة إلا مرة ، فقولان ، أظهرهما وهو الجديد ، وأحد قولي القديم : لا يكون مؤليا في الحال ، لأنه لا يلزمه بالوطء الأول شيء ، فإن وطئها ، نظر ، إن بقي من‌ السنة أكثر من أربعة أشهر ، فهو مؤل من يومئذ ، وإن بقي أربعة فأقل ، فهو حالف وليس بمؤل ، والقول الثاني : يكون مؤليا في الحال ، فيطالب به بعد مضي المدة . فإن وطئ ، فلا شيء عليه ، لأن الوطأة الأولى مستثناة ، وتضرب المدة ثانيا إن بقي من السنة مدة الإيلاء ، وعلى هذا القياس لو قال : لا أجامعك إلا عشر مرات ، أو عددا آخر ، فعلى الأظهر : لا يكون مؤليا في الحال ، وإنما يكون مؤليا إذا وطئ ذلك العدد وبقي من السنة مدة الإيلاء ، وعلى الضعيف : يكون مؤليا في الحال ، ولو قال : إن أصبتك ، فوالله لا أصبتك ، فقيل : بإجراء القولين في كونه مؤليا في الحال ، والمذهب : القطع بالمنع .

والفرق أن هناك عقد اليمين في الحال ، واستثنى وطأة ، وهنا اليمين غير منعقد في الحال ، وإنما ينعقد إذا أصابها ، وإثبات الإيلاء قبل اليمين ممتنع ، ويجري الخلاف فيما لو قال : إن وطئتك ، فوالله لا دخلت الدار .

ولو قال : والله لا أجامعك سنة إلا يوما ، فهو كقوله : إلا مرة . ولو قال : لا أجامعك في السنة إلا مرة ، فتعريف السنة بالألف واللام يقتضي السنة العربية التي هو فيها ، فإن بقي منها مدة الإيلاء ، ففيه القولان ، كما لو قال : سنة ، وإلا فلا إيلاء قطعا .

[ ص: 242 ] فرع

قال : لا أجامعك سنة إلا مرة ، فمضت سنة ولم يطأ ، فهل تلزمه كفارة لاقتضاء اللفظ الوطء ، أم لا ، لأن المقصود منع الزيادة ؟ وجهان حكاهما ابن كج .

قلت : أصحهما : لا كفارة . - والله أعلم .

فلو وطئ في هذه الصورة ، ونزع ، ثم أولج ثانيا ، لزمه كفارة بالإيلاج الثاني ، لأنه وطء جديد ، هذا هو الصحيح ، وفي وجه : لا كفارة ، لأنه وطء واحد عند أهل العرف .

فصل

قال : والله لا جامعتك ، ثم قال لضرتها : أشركتك معها ، أو أنت شريكتها أو مثلها ، ونوى الإيلاء ، لم يصر مؤليا من الثانية ، لأن اليمين إنما تكون باسم الله تعالى أو صفته ، حتى لو قال به : لأفعلن كذا ، وقال : أردت بالله تعالى ، لم ينعقد يمينه ، ولو ظاهر منها ثم قال للضرة : أشركتك معها ، صار مظاهرا من الثانية أيضا على الأصح .

وإن آلى منها بالتزام طلاق أو عتاق ، وقال للضرة : أشركتك معها ، سألناه ، فإن قال : أردت أن الأولى لا تطلق إلا إذا أصبت الثانية مع إصابة الأولى وجعلتها شريكتها في كون إصابتها شرطا لطلاق الأولى ، لم يقبل . وإذا وطئ الأولى ، طلقت ، وإن قال : أردت أني إذا أصبت الأولى طلقت الثانية أيضا ، قبل ، لأن الطلاق يقع بالكناية ، فإذا وطئ الأولى ، طلقتا ، وفي الحالتين لا يكون مؤليا من الثانية .

وإن قال : أردت تعليق طلاق الثانية بوطئها بنفسها ، كما علقت طلاق الأولى بوطئها ، ففي صحة هذا التشريك وجهان . أصحهما : الصحة ، وبه قال الشيخ أبو حامد ، والقاضي أبو الطيب وغيرهما ، فعلى هذا ، يكون مؤليا من الثانية ، إذا قلنا : ينعقد الإيلاء بغير اسم الله تعالى ، ويجري [ ص: 243 ] هذا التفصيل ، فيما لو علق طلاق امرأة بدخول الدار وسائر الصفات ، ثم قال لأخرى : أشركتك معها ، ولو قال : إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، لا بل هذه ، وأشار إلى امرأة أخرى ، فإن قصد أن يطلق الثانية إذا دخلت الأولى الدار ، طلقتا جميعا بدخول الأولى ، سواء قصد ضم الثانية إلى الأولى ، أو قصد طلاق الثانية عند دخول الأولى . وإن قال : أردت تعليق طلاق الثانية بدخول نفسها ، ففي قبوله وجهان ، كما ذكرنا في لفظ الإشراك في اليمين .

واختار القفال منهما : أنه لا يقبل ، ويحمل على تعليق طلاقها بدخول الأولى ، حتى إذا دخلت ، طلقتا جميعا . قال : ولو علق طلاق واحدة بدخول الدار ، وقال لأخرى : أشركتك معها ، وقلنا : لا يصح التشريك ، لم تطلق بدخول الدار .

فرع

قال رجل لآخر : يميني في يمينك ، قال البغوي وغيره : إن أراد أنه إذا حلف الآخر صرت حالفا ، لم يصر حالفا بحلف الآخر ، سواء حلف بالله تعالى أم بالطلاق .

وإن كان الآخر قد طلق زوجته ، أو حنث في يمين الطلاق ، فقال : أردت أن امرأتي طالق كامرأته ، طلقت : وإن أراد متى طلق امرأته طلقت امرأتي ، فإذا طلق الآخر ، طلقت هذه .

فصل

ذكرنا في كتاب الطلاق ، أنه إذا قال : أنت علي حرام ، ونوى الطلاق ، أو الظهار ، وقع ما نوى ، وأنه لو نوى تحريم عينها ، لزمه كفارة يمين . وأن الصحيح وجوب تلك الكفارة في الحال . وفي وجه : إنما يجب إذا وطئها ، وأنه على هذا الوجه يكون مؤليا ، وأنه لو قال : أردت به الامتناع من الوطء ، ففي قبوله وجهان . أحدهما : يكون مؤليا في الحال ، وأصحهما : لا يكون مؤليا ، لأن اليمين بالله تعالى لا تنعقد إلا باسم معظم ، فعلى هذا يلزمه الكفارة [ ص: 244 ] في الحال إذا قلنا : إن مطلق هذه اللفظة يوجبها . ولو قال : أردت بقولي : أنت علي حرام إن وطئتك ، فأنت علي حرام ، لم يقبل منه على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، لأنه يريد تأخير الكفارة ، وهذا اللفظ يقتضي وجوبها في الحال . وفي " التتمة " أنه مبني على أن للإمام أن يأمره بإخراج الكفارة ، فأما إن قلنا : ليس له الأمر بإخراج الكفارة ، فلا يتعرض له .

ورأى صاحب " الشامل " و " التتمة " ، أن يؤاخذ بموجب الإيلاء لإقراره بأنه مؤل .

فرع

قال : إن جامعتك ، فأنت علي حرام ، فإن أراد الطلاق أو الظهار ، كان مؤليا إذا فرعنا على الجديد ، وإن أراد تحريم عينها ، أو طلق وقلنا : مطلقه يوجب الكفارة ، فمؤل ، وإن قلنا : لا يوجبها ، فلا .

فصل

الإيلاء يقبل التعليق ، فإذا قال : إن دخلت الدار ، فوالله لا أجامعك ، صار مؤليا عند دخول الدار . ولو قال : والله لا أجامعك إن شئت ، وأراد تعليق الإيلاء بمشيئتها ، اشترط في كونه مؤليا مشيئتها ، وتعتبر مشيئتها على الفور على الأصح ، كما يعتبر في الطلاق على الفور على المذهب ، وإنما اختلف الترجيح ، لأن الطلاق في معنى التمليك ، فتأكد اشتراط الفور كالبيع ، ولو علق لا على سبيل خطابها ، بأن قال : والله لا أجامع زوجتي إن شاءت ، أو قال لأجنبي : والله لا أجامع زوجتي إن شئت ، لم يعتبر الفور على الأصح . ولو قال : إن شاء فلان ، أو قال لها : متى شئت ، لم يعتبر الفور قطعا ، وكل هذا كما سبق في الطلاق .

فأما إذا أراد تعليق فعل الوطء بمشيئتها ، كأنه قال : لا أجامعك إن شئت أن لا أجامعك ، فلا يكون مؤليا ، كما لو قال : لا أجامعك إلا برضاك ، لأنها متى رغبت فوطئها لا يلزمه شيء . قال الإمام : ولو قال : لا أجامعك متى شئت ، [ ص: 245 ] وأراد أني أجامعك إذا أردت أنا ، لم يكن مؤليا ، لأنه تصريح بمقتضى الشرع ، قال : فإن أطلق ، ففي تنزيله على تعليق الإيلاء وجهان . ولو قال : لا أجامعك إلا أن تشائي ، أو ما لم تشائي ، وأراد الاستثناء عن اليمين ، أو تعليقها ، ففي " التهذيب " وغيره ، أنه يكون مؤليا ، لأنه حلف وعلق رفع اليمين بالمشيئة .

فإن شاءت أن يجامعها على الفور ، ارتفع الإيلاء ، وإن لم تشأ أو شاءت بعد وقت المشيئة ، فالإيلاء بحاله ، وكذا الحكم لو قال : لا أجامعك حتى يشاء زيد ، فإن شاء أن يجامعها قبل مدة الإيلاء أو بعدها ، ارتفعت اليمين ، وإن لم يشأ المجامعة حتى مضت مدة الإيلاء ، سواء شاء أن لا يجامعها ، أم لم يشأ شيئا ، فهل يكون مؤليا لحصول الإضرار في المدة ؟ فيه وجهان سيأتيان إن شاء الله تعالى في نظائرها .

وإن مات زيد قبل المشيئة ، صار مؤليا ، ثم إن قلنا : في حال حياته إذا مضت المدة بلا مشيئة يجعل مؤليا ، فهنا تحسب المدة من وقت اللفظ ، فإن مات زيد بعد تمامها ، توجهت المطالبة في الحلال . وإن قلنا هناك : لا يجعل مؤليا ، ضربت المدة من وقت الموت . ولو قال : لا أجامعك إن شئت أن أجامعك ، فإنما يصير مؤليا إذا شاءت أن يجامعها . وفي اعتبار الفور ، ما سبق ، وإذا أطلق قوله : إن شئت ، حملناه على عدم مشيئته المجامعة ، كما سبق ، لأنه السابق إلى الفهم .

فصل

سواء في الإيلاء حالة الرضى والغضب .

فصل

قال : إن وطئتك فأنا زان ، أو فأنت زانية ، لم يكن مؤليا ، ولا يصير بوطئها قاذفا . قال السرخسي : ويلزمه التعزير ، كما لو قال : المسلمون كلهم زناة ، ولزوم التعزير لا يجعله مؤليا ، لأنه يتعلق بنفس اللفظ .

التالي السابق


الخدمات العلمية