فصل
حد القذف وتعزيره حق آدمي ، يورث عنه ، ويسقط بعفوه . ولو قال لغيره :
[ ص: 326 ] اقذفني ، فقذفه ، فوجهان . قال الأكثرون : لا يجب ، كما لو قال : اقطع يدي فقطعه ، لا شيء عليه . والثاني : يجب ، لأن القطع مباح في الجملة ، فقد يكون مستحق القطع . وأما القذف ، فلا يباح وإن كان المقذوف زانيا . وفيمن يرث حد القذف ؟ أوجه . أصحها : جميع الورثة ، كالمال والقصاص . والثاني : جميعهم غير الزوجين . والثالث : رجال العصبات فقط ، لأنه لدفع العار كولاية التزويج . والرابع : رجال العصبة سوى البنين كالتزويج . فإن قلنا : يرث الزوجان ، فأنشأ قذف ميت ، ففي إرثهما وجهان ، لانقطاع الوصلة حالة القذف ، وإذا ورثنا الابن ، قدم على سائر العصبات ، ولو لم يكن للمقذوف وارث خاص ، فهل يقيم السلطان الحد ؟ قولان كما في القصاص ، وكما لو قذف ميتا لا وارث له ، أظهرهما : يقيمه .
فرع
لو عفا بعض مستحقي حد القذف الموروث عن حقه وهو من أهل العفو ، فثلاثة أوجه . أصحها : يجوز لمن بقي استيفاء جميع الحد ، لأن الحد يثبت لهم ولكل واحد منهم ، كولاية التزويج وحق الشفعة . والثاني : يسقط جميع الحد كالقصاص ، وهو ضعيف ، إذ لا بدل هنا ، بخلاف القصاص ، والثالث : يسقط نصيب العافي ويستوفى الباقي ، لأنه متوزع ، بخلاف القصاص فعلى هذا ، يسقط السوط الذي يقع فيه شركة .
فرع
قذف رجل مورثه ، ومات المقذوف ، سقط عنه الحد إن كان حائز الإرث ، لأن القذف لا يمنع الإرث ، بخلاف القتل . ولو قذف أباه ، فمات الأب وترك القاذف وابنا آخر . فإن قلنا : إذا عفا بعض المستحقين كان للآخر استيفاء الجميع ، فللابن الآخر استيفاء الحد بتمامه ، وإن قلنا : يسقط الجميع ، فكذا هنا ، وإن قلنا : يسقط نصيب العافي ، فللابن الآخر استيفاء نصف الحد .
[ ص: 327 ] فرع
لو جن المقذوف بعد ثبوت حقه ، لم يكن لوليه استيفاء الحد ، بل يصبر حتى يفيق ، فيستوفي ، أو يموت فيورث . وكذا لو
قذف المجنون أو الصغير ، ووجب التعزير ، لم يكن لوليهما التعزير ، بل يجب الصبر .
فرع
إذا
قذف العبد ووجب التعزير ، فالطلب والعفو له لا للسيد ، لأن عرضه له لا للسيد ، حتى لو قذف السيد عبده ، كان له رفعه إلى الحاكم ليعزره ، هذا هو الصحيح . وقيل : ليس له طلب التعزير من سيده ، بل يقال له : لا تعد ، فإن عاد ، عزر كما يعزر لو كلفه مرة بعد مرة من الخدمة ما لا يحتمله حاله .
فلو مات العبد وقد استحق تعزيرا على غير سيده ، فأوجه . أصحها : يستوفيه سيده ، لأنها عقوبة وجبت بالقذف ، فلم تسقط بالموت كالحد . قال الأصحاب : وليس ذلك على سبيل الإرث ، ولكنه أخص الناس به ، فما ثبت له في حياته ، يكون لسيده بعد موته بحق الملك كمال المكاتب . والثاني : يستوفيه أقاربه ، لأن العار إنما يعود عليهم . والثالث : يستوفيه السلطان كحر لا وارث له . والرابع : يسقط التعزير ، وبالله التوفيق .