الشرط الثاني :
الزوجية ، فلا لعان لأجنبي ، فلو
طلقها رجعية بعد أن قذفها ، أو قذفها في عدة الرجعة ، فله أن يلاعنها كما يطلقها ، ويظاهر ويؤلي . ويصح لعانه في الحال ، وتترتب أحكامه .
ولو
ارتد بعد الدخول ثم قذفها وأسلم في العدة ، فله اللعان ، ولو
لاعن في الردة ، ثم أسلم في العدة ، وقع اللعان في النكاح ، فيصح ويقع موقعه ، لأن الكافر يصح لعانه ، وإن أصر حتى مضت العدة ، تبينا وقوعه في حال البينونة ، فإن كان ولد ونفاه باللعان ، نفذ ، وإلا تبينا فساده ، ولا يندفع حد القذف عنه على الأصح ، وبه أجاب
ابن الحداد .
فرع
وطئ امرأة في نكاح فاسد أو شبهة ، بأن ظنها زوجته أو أمته ، ثم قذفها [ ص: 336 ] وأراد اللعان ، فإن كان هناك ولد منفصل ، فله اللعان ، فينتفي به النسب بلا خلاف ، ويسقط به حد القذف على الصحيح تبعا ، وقيل : لا يسقط لعدم الزوجية وانتفاء الضرورة ، إذ كان يمكنه أن يقول : ليس الولد مني ، ولا يقذفها ، وتتأبد الحرمة بهذا اللعان على الأصح .
قلت : فإذا قلنا بالضعيف : إنه لا تتأبد الحرمة ، فهل يستبيحها بلا محلل ، أم يفتقر إلى محلل كالطلاق الثلاث ؟ وجهان ، في " الحاوي " الصحيح : لا يفتقر . والله أعلم .
ولا يلزمها حد الزنا ، ولا يلاعن معارضة للعانه على الأصح . وقيل : يلزمها وتلاعن لإسقاطه ، وإن كان هناك حمل ، فهل هو كالمنفصل في اللعان ؟ فيه خلاف نذكره قريبا إن شاء الله تعالى فيما إذا أبان زوجته ثم قذفها ، وإن لم يكن ولد ولا حمل ، فلا لعان كالأجنبي . ولو قذف في نكاح يعتقد صحته ، ولاعن على ذلك الاعتقاد ، ثم بان فساده ، ولا ولد ، لم يسقط عنه الحد على الأصح ، فعلى هذا : لا يثبت شيء من أحكام اللعان .
فرع
قذف زوجته ثم أبانها ، فله أن يلاعن لنفي الولد ، ولإسقاط عقوبة القذف ، وإن لم يكن ولد إذا طلبتها ، لأن القذف وجد في الزوجية ، فإن عفت ، فلا لعان ، وكذا إن لم تطلب على الأصح ، وإذا لاعن ، لزمها الحد ، ولها إسقاطه باللعان . وفي تأبد الحرمة بلعانه الوجهان كالنكاح الفاسد ، لوقوعه خارج النكاح .
[ ص: 337 ] فرع
أبانها بخلع أو بالطلاق الثلاث ، أو بفسخ ، أو كانت رجعية فبانت بانقضاء العدة ، ثم قذفها بزنا مطلق ، أو مضاف إلى حال النكاح ، فإن كان ولد يلحقه بحكم النكاح السابق ، فله اللعان ، ويسقط به عنه الحد . قال
البغوي : ويلزمها حد الزنا إن أضاف الزنا إلى حالة النكاح ، ولها إسقاطه باللعان ، فإن لم يضف ، لم يلزمها . وفي تأبد الحرمة ومعارضتها باللعان الخلاف السابق ، والخلاف في المعارضة جار في كل لعان بمجرد نفي الولد ، كما لو أقام بينة بزناها أو أقرت .
وإن
كان حمل ، فهل له اللعان قبل انفصاله ؟ فيه نصان رواهما
المزني في " المختصر " و " الجامع " فقال
أبو إسحاق : لا يلاعن قطعا ، إذ قد لا يكون ولد ، وتأول النص الآخر . والصحيح أن المسألة على قولين . أحدهما : هذا ، وأظهرهما عند الأكثرين : يلاعن ، كما لو كان في صلب النكاح . فعلى هذا لو لاعن فبان أن لا حمل ، تبينا فساد اللعان ، وإن لم يكن ولد ولا حمل لم يلاعن على الصحيح ، وقيل : له اللعان إن أضاف الزنا إلى حالة النكاح .
فرع
قذف زوجته بزنا أضافه إلى ما قبل النكاح ، فإن لم يكن ولد ، لم يلاعن ، وإن كان ، فوجهان . أحدهما : لا يلاعن ، لأنه مقصر بالتاريخ ، وكان حقه أن يطلق القذف . فعلى هذا ، له أن ينشئ قذفا ويلاعن لنفي النسب ، فإن لم يفعل ، حد ، وبهذا قال
أبو إسحاق ، وصححه الشيخ
أبو حامد وجماعة . والثاني ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12535أبو علي بن أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، وصححه القاضي
أبو الطيب ، والإمام ،
nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني وغيرهم : له اللعان ، فعلى هذا ، يسقط الحد بلعانه ، وهل عليها حد الزنا بلعانه ؟ وجهان . وهل لها معارضته باللعان ؟ فيه الوجهان السابقان .
قلت : صحح في " المحرر " قول
أبي إسحاق ، وهو أقوى . والله أعلم .
[ ص: 338 ] فصل
قذفها ولاعنها ، ثم قذفت ، فلها حالان . أحدهما : أن لا يلاعن معارضة للعانه ، وحدت حد الزنا ، فالقذف الثاني ، إن كان من الزوج ، نظر ، إن قذفها بذلك الزنا أو أطلق ، لم يلزمه إلا التعزير ، لأنا صدقناه في ذلك الزنا ، وإنما يعزر للإيذاء . وإن قذفها بزنا آخر ، فوجهان . أحدهما : يحد كما لم يلاعن . وأصحهما : يعزر فقط ، لأن لعانه في حقه كالبينة ، وليس له أن يلاعن لدفع التعزير ، لأنه قذف بعد البينونة ، وإن قذفها أجنبي بذلك الزنا ، حد على الأصح . وقيل : يعزر ، وإن قذفها بغيره ، حد على المذهب . وقيل : فيه الوجهان .
الحال الثاني : أن يلاعن ، فإن قذفها الزوج بذلك الزنا ، أو أطلق ، عزر فقط ، وإن قذفها بزنا آخر ، فالمذهب أنه يحد ، وقيل : يعزر على قول قديم ، وقيل : هو وجه ، وهذا الخلاف جار سواء قذفها بزنا آخر بعد اللعان أو قبله ، وسواء قلنا : يحد أو يعزر ، فليس له اللعان ، لأنها بائن ولا ولد . وإن قذفها أجنبي ، حد سواء قذفها بذاك الزنا أو غيره . وقيل : إن قذفها بذاك الزنا ، عزر ، والصحيح الأول .
وسواء في الزوج والأجنبي ، كان ولد فنفاه باللعان وبقي أو مات أو لم يكن ، هذا كله إذا قذفها ولاعن ثم قذف ، أما إذا قذفها ولم يلاعن ، فحد للقذف ، ثم قذفها بذلك الزنا ، فلا يحد لأنه ظهر كذبه بالحد الأول ، ويعزر تأديبا للإيذاء . وقد سبق أنه لا يلاعن ، لإسقاط مثل هذا التعزير على الصحيح . وإن قذفها بزنا آخر ، فوجهان . قال
البغوي : أصحهما : يعزر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14404أبو الفرج الزاز : أصحهما : يحد لأن كذبه في الأول لا يوجب كذبه في الثاني ، فوجب الحد لدفع العار . وهل يلاعن لإسقاط الحد أو التعزير ؟ وجهان . أصحهما : لا ، لظهور كذبه بالحد . وإن قذفها أجنبي بذلك الزنا أو غيره ، حد .
[ ص: 339 ] فرع
قذف زوجته أو غيرها مرتين فصاعدا ، فإن أراد زنا واحدا ، فعليه حد واحد ، لأنه لم يقذف إلا بفاحشة واحدة ، فإن حد مرة ، فأعاد ، عزر للإيذاء ، ولا يحد لظهور كذبه . وإن قذف بزنا آخر ، كقوله : زنيت بفلان ، ثم قال : زنيت بآخر ، فقولان . الجديد وأحد قولي القديم : يجب حد واحد . والقديم الآخر : يتعدد الحد . ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج القطع بحد واحد ، فإذا قلنا :
حد واحد ، فقذف فحد ، ثم قذف ثانيا ، فهل يحد ثانيا أم يعزر لظهور كذبه بالحد الأول ؟ وجهان أو قولان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج : الصحيح منهما التعزير .
ولو
قذف زوجته مرتين فصاعدا بزنيتين ، ففي التعداد والاتحاد هذا الخلاف ، فإن قلنا بالاتحاد ، كفى لعان واحد ، وإن قلنا بالتعدد ، فوجهان . أحدهما : يتعدد اللعان بحسب تعدد الحد ، وأصحهما : يكفي لعان واحد ، لأنه يمين ، وإذا كان الحقان لواحد ، كفى يمين ، إلا أنه يقول في اللعان : أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنيتين . وإن سمى الزانيين ، ذكرهما في اللعان ، فلو وقع أحد القذفين في الزوجية ، والآخر خارجها ، فله صورتان :
إحداهما : أن
يقذف أجنبية ، ثم يتزوجها قبل أن يحد ، ثم يقذفها . فينظر إن قذفها بالزنا الأول ، لم يجب إلا حد ، وليس له إسقاطه باللعان ، وإن قذفها بزنا آخر ، ففي تعدد الحد واتحاده طريقان . أحدهما : على القولين فيما إذا
قذف زوجته أو أجنبيا بزنيتين . والثاني : القطع بالتعدد ، لاختلاف موجبهما ، لأن الثاني يسقط باللعان ، بخلاف الأول فصارا كحدين مختلفين ، ولا تداخل مع الاختلاف ، وهذا الطريق أرجح عند القاضي
أبي الطيب ، وبه قطع الشيخ
أبو حامد ومتابعوه . ورجح آخرون طريقة القولين ، قالوا : وموجب القذفين الحد ، ولا اختلاف فيه ، وإنما الاختلاف في طريق الخلاص منه ، فإن قلنا بالاتحاد ، فإن لم يلاعن ، حد لهما حدا واحدا ، وإن لاعن للثاني حد للأول ، وإن حد للأول قبل أن يلاعن ،
[ ص: 340 ] سقط اللعان للثاني ، إلا أن يكون هناك ولد فيلاعن لنفيه ، فإن لم يكن ، فعلى الخلاف في أنه هل يجوز اللعان لمجرد غرض قطع النكاح وإلصاق العار بها ، وقد سبق أن قلنا بالتعدد ، فإن طالبت أولا للقذف الأول ، فأقام بينة بزناها ، سقط الحدان ، لأنه ثبت أنها غير محصنة ، وإن لم يقم حد . ثم إذا طالبت للثاني ، فأقام بينة أو لاعن ، سقط عنه الحد الثاني ، وإلا حد ثانيا ، وإن طالبت أولا بالثاني ، فأقام بينة ، سقط الحدان ، وإلا فإن لاعن ، سقط الحد الثاني دون الأول ، وإن لم يلاعن ، حد للثاني ، ثم يحد للأول . وإن طالبت بهما جميعا ، حد للأول لسبق وجوبه ، ثم للثاني إن لم يلاعن . وإن حد في القذف الأول ، ثم قذفها في النكاح ولم يلاعن ، حد ثانيا على الصحيح ، وقال
ابن الحداد : لا يحد للثاني . قال الشيخ
أبو علي : لم يرض هذا أحد من أصحابنا ، وقالوا : يحد ثانيا إذا لم يلتعن تفريعا على قول التعدد ، قالوا : ولا فرق بين أن يقذف في النكاح بعد أن يحد للأول أو قبله ، في أنه يحد الثاني إذا لم يلتعن ، لكن إذا كان قبله ، حد لكل واحد منهما .
فرع
قذف زوجته ثم أبانها بلا لعان ، ثم قذفها بزنا آخر ، فإن حد للأول ، ثم نكحها ، ففي حده للثاني قولان ، كما لو
قذف أجنبية فحد ، ثم قذفها ثانيا ، وإن لم تطلب حد القذف الأول حتى أبانها ، فإن لاعن للأول ، فقيل : يحد للأول . وقيل : قولان ، وإن لم يلاعن ، فقيل : يحد حدين ، وبه قال
ابن الحداد . وقيل : قولان . أحدهما : هذا . والثاني : حد واحد .
فرع
قذف زوجته البكر فلم تطالبه حتى فارقها ، ونكحت غيره ووطئها وصارت محصنة ، وقذفها الثاني ، ثم طالبتهما ، فلاعن كل واحد منهما ، وامتنعت هي من اللعان ، فقد ثبت عليها بلعان الأول زنا بكر ، وبلعان الثاني زنا محصنة ، وفيما عليها
[ ص: 341 ] وجهان . أحدهما : الرجم فقط ، لأن شأن الحدود التداخل . وأصحهما وبه قال
ابن الحداد : يلزمها الجلد ثم الرجم . قال الشيخ
أبو علي : هذا ظاهر المذهب ، لأن التداخل إنما يكون عند الاتفاق ، وقال : وعلى هذا ، لو زنى العبد ، ثم عتق ، فزنى قبل الإحصان ، فقيل : عليه خمسون جلدة لزناه في الرق ، ومائة لزناه في الحرية ، لاختلاف الحدين ، والأصح أنه يجلد مائة فقط ، ويدخل الأقل في الأكثر لاتحاد الجنس ، وعلى هذا لو زنى وهو حر بكر ، فجلد خمسين ، وترك لعذر ، فزنى مرة أخرى ، جلد مائة ، وتدخل الخمسون الباقية فيها .
ولو
قذف شخصين محصنا وغيره بكلمة ، وقلنا باتحاد الحد ، دخل التعزير في الحد . وفي هذا نظر ، لاختلاف جنس الحد والتعزير .
ولو كانت في المسألة الأولى بكر في لعان الزوجين ، فالصحيح أن عليها حدا واحدا ، كما لو ثبت زنيان ، أحدهما : ببينة ، والآخر بإقرار أو كلاهما بالبينة . قال
ابن الحداد : عليها حدان ، لأن لعان كل واحد حجة في حقه ، فصارا كجنسين .
فصل
إذا لحقه نسب بملك يمين في مستولدة ، أو أمة موطوءة ، لم ينتف عنه باللعان على الأظهر ، وقيل : لا ينتفي قطعا لإمكان نفيه بدعوى الاستبراء ، وسيأتي في آخر الاستبراء بيانه مع بيان أن الأمة متى تصير فراشا لسيدها ، حتى يلحقه ولدها إن شاء الله تعاجلى .
ولو
اشترى زوجته ، فانفسخ النكاح ، ثم ولدت ، فإن كان لدون ستة أشهر من يوم الشراء ، فهو لاحق به بحكم النكاح ، وله نفيه باللعان ويكون اللعان
[ ص: 342 ] بعد الانفساخ كهو بعد البينونة بالطلاق ، وإن ولدته لستة أشهر فصاعدا من يوم الشراء ، فإن لم يطأها بعد الشراء ، أو وطئها وولدته لدون ستة أشهر من يوم الوطء ، نظر ، إن كان لأربع سنين فأقل من وقت الشراء ، فالحكم كذلك ، وإن كان لأكثر من أربع سنين ، فهو منفي عنه بغير لعان . فإن وطئها بعد الشراء وأتت به لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطء ، ولدون أربع سنين من وقت الشراء ، فإن لم يدع الاستبراء بعد الوطء ، لحقه الولد بملك اليمين ، وهل له نفيه باللعان ، فيه الطريقان . وإن ادعى الاستبراء بعده ، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الاستبراء ، فالحكم كذلك وتلغو دعوى الاستبراء ، وإن كان لستة أشهر فأكثر من وقت الاستبراء ، لم يلحقه الولد بحكم الملك على الأصح ، وسنعيده في آخر باب الاستبراء إن شاء الله تعالى ، ولا يلحقه أيضا بملك النكاح لانقطاع فراش النكاح بفراش الملك .
وقيل : يلحقه بملك النكاح ، ولا ينتفي إلا بلعان لوجود الإمكان ، وامتناع الإلحاق بالملك ، وهذا شاذ ، وقد يعبر عن هذه الأحوال ، فيقال : إن احتمل كونه من النكاح فقط ، لحق به النكاح ، وإن احتمل بالملك فقط ، لحق به ، وكذا إن احتملها على الصحيح . وإن لم يحتمل واحد منهما ، فلا إلحاق ، ومتى وقع اللعان بعد الشراء ، فهل يؤبد التحريم ؟ وجهان كما لو وقع بعد البينونة . وإن قلنا : لا يؤبده ، فهي حلال له بملك اليمين ، وإن قلنا : يؤبده ، ففي حلها ( له ) بملك اليمين خلاف مبني على أنه لو
لاعن زوجته الأمة ، ثم اشتراها ، هل له وطؤها بملك اليمين ؟ فيه طريقان أحدهما : على وجهين كالمطلقة ثلاثا إذا اشتراها . والثاني : لا تحل قطعا لغلظ تحريمه .