فصل
أكثر مدة الحمل أربع سنين ، فلو أبانها بخلع أو بالثلاث ، أو بفسخ ،
[ ص: 378 ] أو لعان ولم ينف الحمل ، فولدت لأربع سنين فأقل من وقت الفراق ، لحق الولد بالزوج ، هكذا أطلقوه . وقال
أبو منصور التميمي : ينبغي أن يقال : لأربع سنين من وقت إمكان العلوق ، وقبيل الطلاق ، وهذا قويم ، وفي إطلاقهم تساهل ، وسواء أقرت بانقضاء عدتها ثم ولدت ، أم لم تقر ، لأن النسب حق الولد ، فلا ينقطع بإقرارها .
وقال
ابن سريج : إذا أقرت بانقضائها ثم ولدت ، لم يلحقه إلا أن تأتي به لدون ستة أشهر من الأقراء ، كما إذا صارت الأمة فراشا لسيدها بالوطء ثم استبرأها فأتت بولد بعد الاستبراء لستة أشهر فصاعدا ، لا يلحقه ، نص عليه .
فمن الأصحاب من جعل المسألتين على قولين ، وقطع الجمهور بتقرير النصين ، وفرقوا بأن فراش النكاح أقوى وأسرع ثبوتا ، فإنه يثبت بمجرد الإمكان . أما إذا ولدت لأكثر من أربع سنين ، فالولد منفي عنه بلا لعان . ولو طلقها رجعيا ثم ولدت ، فالحكم على التفصيل المذكور ، إلا أن السنين الأربع ، هل تحسب من وقت الطلاق ، أم من وقت انصرام العدة ؟ قولان . أظهرهما : الأول ، لأنها كالبائن في تحريم الوطء ، فلا يؤثر كونها زوجة في معظم الأحكام . فإن قلنا : من وقت الانصرام ، فقد أطلق الشيخ
أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما حكاية وجهين :
أحدهما : أنه يلحقه متى أتت به من غير تقدير ، لأن الفراش على هذا القول ، إنما يزول بانقضاء العدة . والثاني : أنه إذا مضت العدة بالأقراء أو الأشهر ، ثم ولدت لأكثر من أربع سنين من انقضائها ، لم يلحقه ، لأنا تحققنا أنه لم يكن موجودا في الأقراء والأشهر ، فتبين بانقضائها ، وتصير كما لو بانت بالطلاق ، ثم ولدت لأكثر من أربع سنين . وهذا الثاني هو الأصح عند الأكثرين ، وحكوه عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله . ولك أن تقول هذا ، وإن استمر في الأقراء ، لا يستمر في الأشهر ، فإن التي لا تحمل ، لا تعتد بالأشهر ، فإذا حبلت ، بان أن عدتها لم تنقض بالأشهر ، وسيأتي نظير هذا إن شاء الله تعالى ، ثم هذا الخلاف ، على ما ذكره
الروياني وغيره ، فيما إذا أقرت بانقضاء العدة ، فإن لم تقر ، فالولد الذي تأتي به ، يلحقه وإن طال الزمان ، لأن العدة قد تمتد لطول الطهر .
[ ص: 379 ] وحكى
القفال فيما إذا لم تقر - وجها ضعيفا ، أنه إذا
مضت ثلاثة أشهر ثم ولدت لأكثر من أربع سنين ، لم يلحقه ، لأن الغالب انقضاء العدة في ثلاثة أشهر ، ومتى حكمنا بثبوت النسب ، كانت المرأة معتدة إلى الوضع ، فيثبت للزوج الرجعة إن كانت رجعية ، ولها السكنى والنفقة .
فرع
ولدت لأكثر من أربع سنين ،
وادعت في الطلاق الرجعي أن الزوج راجعها ، أو أنه جدد نكاحها ، أو وطئها بشبهة ، وأنها ولدته على الفراش المجدد ، نظر ، إن صدقها الزوج ، لزمه مقتضى إقراره ، فعليه المهر في صورة التجديد ، والنفقة والسكنى في الرجعة والتجديد جميعا ، ويلحقه الولد للفراش ، وإن أنكر إحداث فراش ، فهو المصدق بيمينه ، وعليها البينة ، فإن نكل ، حلفت ، وثبت النسب ، إلا أن ينفيه باللعان .
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14404أبو الفرج الزاز قولا ، أنه إذا نكل ، لا ترد اليمين عليها ، لأنها إذا حلفت ، ثبت نسب الولد ، ويبعد أن يحلف الشخص لفائدة غيره ، والمشهور الأول ، فإن لم يحلفها ، أو نكلت ، ففي حلف الولد إذا بلغ خلاف سبق في نظائره . وإن اعترف بفراش جديد ، وأنكر ولادتها ، وادعى أنها التقطته واستعارته ، صدق بيمينه ، وعليها البينة على الولادة . فإن نكل ، حلفت وثبتت الولادة والنسب بالفراش ، إلا أن ينفيه باللعان ، ويعود في تحليفها الخلاف السابق . ثم قال الأئمة : العدة تنقضي بوضعه وإن حلف الرجل على النفي ولم يثبت ما ادعته ، لأنها تزعم أنه منه ، فكان كما لو نفي حملها باللعان ، فإنه وإن انتفى الولد تنقضي العدة بوضعه لزعمها أنه منه .
ولو
ادعت على الوارث بعد موت الزوج أن الزوج كان راجعها ، أو جدد نكاحها ، فإن كان الوارث ممن لا يحجب ، نظر ، إن كان ابنا واحدا ، فالحكم كما لو ادعت على الزوج ، إلا أن الوارث يحلف على نفي العلم ، وإلا أنه إذا ثبت النسب ، لا يمكنه نفيه باللعان . وإن كان له ابنان ، وادعت عليهما ،
[ ص: 380 ] فكذباها وحلفا ، أو نكلا أو صدقها أحدهما وكذب الآخر وحلفت ، ثبت المهر والنفقة بحصة المصدق ، ولا يثبت النسب ، لأن جميع الورثة لم يتفقوا . وفي ثبوت ميراث الزوجة في حصة المصدق خلاف مذكور في موضعه .
وإن كان الوارث ممن يحجب كالأخ ، فإن صدقها فذاك ، ولا يرث الولد وإن ثبت نسبه ، وإن كذبها ، فعلى ما ذكرنا .