[ ص: 57 ] الباب الثاني في
مسقطات النفقة
للباب مقدمة وأصل ، أما المقدمة ، فلا خلاف أن
وقت وجوب تسليم النفقة صبيحة كل يوم ،
والكسوة أول كل صيف وشتاء كما سبق ، وذلك بعد حصول التمكين ، وأما وقت ثبوتها في الذمة ، فللنفقة تعلق بالعقد والتمكين ، فإنها لا تجب قبل العقد ، ولكن
تسقط بالنشوز ، وفيما تجب به قولان : القديم : تجب بالعقد كالمهر ، ولا تتوقف على التمكين بدليل وجوبها للمريضة والرتقاء ، لكن لو نشزت سقطت فالعقد موجب ، والنشوز مسقط ، وإذا حصل التمكين ، استقر الواجب يوما فيوما كالأجرة المعجلة ، إلا أن الأجرة يجب تسليمها بالعقد جملة للعلم بها ، والنفقة غير معلومة الجملة ، والجديد الأظهر : أنها لا تجب بالعقد ، بل بالتمكين يوما فيوما ، فلو اختلفا ، فقالت : مكنت من وقت كذا . وأنكر الزوج ولا بينة ، فإن قلنا بالجديد ، فالقول قول الزوج ، وإلا فقولها ، لأن الأصل بقاء ما وجب بالعقد ، وقيل : القول قوله قطعا . ولو اتفقا على التمكين ، وقال : أديت نفقة المدة الماضية ، وأنكرت ، فالقول قولها ، سواء كان الزوج حاضرا عندها أم غائبا ، ولو لم يطالبها الزوج بالزفاف ، ولم تمتنع هي منه ، ولا عرضت نفسها عليه ، ومضت على ذلك مدة ، فإن قلنا بالقديم ، وجبت نفقة تلك المدة ، وإن قلنا بالجديد ، فلا . ولو توافقا على التمكين ، وادعى أنها بعده نشزت ، وأنكرت ، فالصحيح أن القول قولها ، لأن الأصل البراءة ، قال الأصحاب : إذا سلمت نفسها
[ ص: 58 ] إلى الزوج ، فعليه النفقة من وقت التسليم . ولو بعثت إليه : إني مسلمة نفسي ، فعليه النفقة من حين بلغه الخبر ، فإن كان غائبا ، رفعت الأمر إلى الحاكم ، وأظهرت له التسليم والطاعة ، ليكتب إلى حاكم بلد الزوج ، فيحضره ، ويعلمه الحال ، فإن سار إليها عند إعلامه ، أو بعث إليها وكيله فتسلمها ، وجبت النفقة من حين التسليم ، وإن لم يفعل ومضى زمن الوصول إليها ، فرض القاضي نفقتها في ماله ، وجعل كالمتسلم ، لأن الامتناع منه . قال
المتولي : فإن لم يعرف موضعه ، كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تردها القوافل من تلك البلدة في العادة ليطلب وينادى باسمه ، فإن لم يظهر ، فرض القاضي نفقتها في ماله الحاضر ، وأخذ منها كفيلا بما يصرف إليها لاحتمال وفاته وطلاقه ، ومن الأصحاب من لم يتعرض للرفع إلى القاضي ولا لكتابه ، وقال : تجب النفقة من حين تصله ، ويمضي زمن إمكان القدوم عليها ، وكذا ذكره
البغوي . أما إذا لم تعرض نفسها على الزوج الحاضر ، أو الغائب ، ولا بعثت إليه ، فلا نفقة لها وإن طالت المدة تفريعا على الجديد ، ولا تؤثر غيبة الزوج بعد التسليم ما دامت مقيمة على الطاعة . وإن طالت المدة ، هذا كله إذا كانت عاقلة بالغة ، فأما المراهقة والمجنونة ، فلا اعتبار بعرضهما ، وبذلهما الطاعة ، وإنما الاعتبار فيهما بعرض الولي . ولو
سلمت المراهقة نفسها ، فتسلمها الزوج ، ونقلها إلى داره ، وجبت النفقة ، وكذا لو
سلمت الزوجة نفسها إلى الزوج المراهق بغير إذن الولي ، وجبت النفقة بخلاف تسليم المبيع إلى المراهق ، لأن المقصود هناك أن تصير اليد للمشتري ، واليد في عقد المراهق للولي لا له .