المانع الثالث : العبادات ، وفيه مسائل إحداها : إذا
أحرمت بحج أو عمرة ، فلها حالان ، أحدهما : أن تحرم بإذنه ، فإذا خرجت ، فقد سافرت في غرض نفسها ، فإن كان الزوج معها لم تسقط على المذهب كما سبق ، وإلا فتسقط على الأظهر ، وسواء خرجت بإذنه أم بغيرها ، ولا أثر لنهيه عن الخروج لوجود الإذن في الإحرام ، وعن
القفال : أنه إذا نهاها عن الخروج فلا نفقة قطعا ، أما قبل الخروج ، فوجهان ، أحدهما : لا نفقة لفوات الاستمتاع ، وأصحهما : وجوبها ، لأنها في قبضته ، وتفويت الاستمتاع بسبب إذن فيه .
الحال الثاني : أن تحرم بغير إذنه فقد سبق في الحج أن له أن يحللها من حج التطوع ، وكذا من الفرض على الأظهر ، فإن جوزنا له
[ ص: 62 ] التحليل ، فلم يحلل ، فلها النفقة ما لم تخرج ، لأنها في قبضته وهو قادر على تحليلها والاستمتاع ، وقيل : لا نفقة ، لأنها ناشزة بالإحرام ، والناشزة لا تستحق نفقة وإن قدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا ، والصحيح الأول . فإذا خرجت بغير إذنه ، فلا نفقة ، فإن خرج معها ، فعلى ما سبق ، وإن أذن في الخروج ، فعلى القولين في السفر بإذنه ، وإن قلنا : ليس له التحليل ، فهي ناشزة من وقت الإحرام ، وقيل : لها النفقة ما دامت مقيمة ، والصحيح الأول ، وحكي وجه شاذ أن الإحرام لا يسقط النفقة مطلقا ، لأنها تسقط به فرضا عليها .
المسألة الثانية في الصوم ، أما صوم رمضان ، فلا تمنع منه ، ولا تسقط النفقة بحال ، وأما قضاء رمضان ، فإن تعجل لتعديها بالإفطار لم تمنع منه ، ولم تسقط به النفقة على الأصح ، وإن فات الأداء بعذر ، وضاق وقت القضاء ، بأن لم يبق من شعبان إلا قدر القضاء ، فهو كأداء رمضان ، وإن كان الوقت واسعا ، فقطع الأكثرون بأن له منعها من المبادرة إليه كصوم التطوع ، وقيل في جواز منعها وجهان ، وفي جواز إلزامها الإفطار إذا شرعت فيه وجهان مخرجان من القولين في التحليل من الحج ، فإن قلنا : لا يجوز ، ففي سقوط النفقة وجهان : أحدها : تسقط كالحج ، والثاني : لا لقصر الزمان ، وقدرته على الاستمتاع ليلا .
قلت : الأصح السقوط . والله أعلم .
وأما صوم التطوع ، فلا تشرع فيه بغير إذن الزوج ، فإن أذن ، لم تسقط به نفقتها ، وإن شرعت فيه بلا إذن ، فله منعها وقطعه ، فإن أفطرت ، فلها النفقة ، وإن أبت ، فلا نفقة على الأصح ، وقيل : تجب ، لأنها في داره وقبضته ، وحاصل هذا الوجه أن صوم التطوع لا يؤثر في النفقة ، وقيل : إن دعاها إلى الأكل ، فأبت ، لم تسقط نفقتها ، وإن
[ ص: 63 ] دعاها إلى الوطء ، فأبت سقطت لمنعها حقه ، وإذا قلنا بسقوط النفقة بامتناعها فعن " الحاوي " أن ذلك فيما إذا أمرها بالإفطار في صدر النهار ، فلو اتفق في آخره لم تسقط لفوت الزمان ، واستحسنه
الروياني ، ولم يتعرض الجمهور لهذا التفصيل . ولو نكحها وهي صائمة قال
إبراهيم المروذي : لا يجبرها على الإفطار ، وفي النفقة وجهان .
وأما
صوم النذر ، فإن كان نذرا مطلقا ، فللزوج منعها منه على الصحيح ، لأنه موسع ، وإن كانت أياما معينة ، نظر ؛ إن نذر بها قبل النكاح ، أو بعده بإذنه ، فليس له منعها ، وإلا فله ذلك ، وحيث قلنا : له المنع ، فشرعت فيه ، وأبت أن تفطر ، فعلى ما ذكرنا في صوم التطوع . وأما صوم الكفارة ، فهو على التراخي ، فللزوج منعها منه ، وعن
الماوردي أنه إذا لم يمنعها حتى شرعت فيه ، فهل له إجبارها على الخروج منه ؟ وجهان ، وحيث قلنا : تسقط النفقة بالصوم ، فهل تسقط جميعها ، أم نصفها للتمكن من الاستمتاع ليلا ؟ وجهان في " التهذيب " .
قلت : أرجحهما سقوط الجميع وقد سبق قريبا نظيره فيمن سلمت ليلا فقط ، أو عكسه . والله أعلم .
المسألة الثالثة : فرائض الصلوات الخمس لا منع منها ، ولا تؤثر في النفقة بحال ، وهل له منعها من المبادرة بها في أول الوقت ؟ وجهان : الأصح المنصوص ليس له ، لأن زمنها لا يمتد بخلاف الحج ، والتطوعات المطلقة كصوم التطوع ، وفي السنن الراتبة وجهان : أصحهما : ليس له منعها لتأكدها ، وله منعها من تطويلها ، وصوم يوم عرفة وعاشوراء كرواتب الصلاة ، وصوم الاثنين والخميس كالتطوع المطلق ، فله منعها قطعا ، وله منعها من الخروج لصلاة العيدين والكسوفين ، وليس
[ ص: 64 ] له المنع من فعلها في المنزل ، وقضاء الصلاة وفعل المنذورة كمثلهما في الصوم .
المسألة الرابعة :
الاعتكاف ، إن خرجت له إلى المسجد بإذنه وهو معها لم تسقط نفقتها ، وإن لم يكن معها ، فعلى الخلاف في الخروج للحج ، وقيل : إن لم تزد على يوم لم يؤثر قطعا ، فإن كان بغير إذنه ، نظر ؛ إن كان تطوعا ، أو نذرا مطلقا أو معينا نذرته بعد النكاح ، سقطت نفقتها ، وإن كان معينا نذرته قبل النكاح ، فلا منع منه ، ولا تسقط به النفقة .
فصل
أجرت نفسها قبل النكاح إجارة عين ، قال
المتولي : ليس للزوج منعها من العمل ، ولا نفقة عليه ، وعن " الحاوي " أن له الخيار إن كان جاهلا بالحال لفوات الاستمتاع عليه بالنهار ، وأنه لا يسقط خياره بأن يرضى المستأجر بالاستمتاع نهارا ، لأنه تبرع قد يرجع فيه .