الفصل الرابع : في ازدحام الآخذين ، فإذا
اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم ، نظر ؛ إن وفى ماله أو كسبه بنفقتهم ، فعليه نفقة الجميع ، قريبهم وبعيدهم ، وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد ، قدم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب ، هذا أطبق عليه الأصحاب لأن نفقتها آكد ، فإنها لا تسقط بمضي الزمان ، ولا بالإعسار ، ولأنها وجبت عوضا ، واعترض الإمام بأن نفقتها إذا
[ ص: 94 ] كانت كذلك ، كانت كالديون ، ونفقة القريب في مال المفلس تقدم على الديون ، وخرج لذلك احتمالا في تقديم القريب ، وأيده بالحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350774أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : معي دينار ؟ فقال : " أنفقه على نفسك " فقال : معي آخر ؟ فقال : " أنفقه على ولدك " ، فقال : معي آخر ؟ فقال : " أنفقه على أهلك " . فقدم نفقة الولد على الأهل ، وفي " التتمة " وجه أن نفقة الولد الطفل تقدم على نفقة الزوجة ، وأما الذين ينفق عليهم بالقرابة ، فتعود فيهم الأوجه في أنه يصرف الفاضل إلى الأقرب ، أو الوارث ، أو الولي ، وعلى الوجه الرابع القائل هناك أنها على الذكر يصرف الفاضل هنا إلى الأنثى لعجزها ، ويسوى في الوجه الخامس بين الذكر والأنثى ، وإذا صرف إلى وارثين ، فهل يوزع بالسوية ، أم بحسب الإرث ؟ وجهان ، قال الأكثرون بالسوية ، ونوضح ذلك بصور :
ابنان أو بنتان ، يصرف الموجود إليهما ، فإن اختص أحدهما بمزيد عجز ، بأن كان مريضا ، أو رضيعا ، قدم ، ذكره
الروياني .
ابن وبنت ، الصحيح أنها كالابنين ، وقيل : تقدم البنت لضعفها . ابن بنت ، وبنت ابن ، ذكر
الروياني أن بنت الابن تقدم لضعفها ، ويشبه أن يجعلا كالابن والبنت .
أب وجد ، أو ابن وابن ابن ، قيل : هما سواء ، والأصح : تقديم الأب والابن ، فإن كان الأبعد زمنا ، ففي " التهذيب " أنه يقدم ، وذكر أنه لو اجتمع جدان في درجة ، وأحدهما عصبة ، كأبي الأب مع أبي الأم ، فالعصبة أولى ، وأنه لو اختلفت الدرجة ، واستويا في العصوبة
[ ص: 95 ] أو عدمها ، فالأقرب مقدم ، وإن كان الأبعد عصبة ، تعارض القرب والعصوبة ، فيستويان .
أب وابن ، إن كان الابن صغيرا ، قدم ، وإلا فهل يقدم الابن أم الأب ، أم يستويان ؟ فيه ثلاثة أوجه : ثالثها : اختيار
القفال ، وتجري الأوجه في الابن والأم ، وفي الأب والبنت ، وفي الجد وابن الابن .
أب وأم ، تقدم الأم على الأصح ، وقيل : الأب ، وقيل : يستويان .
جد وابن ، قيل بطرد الأوجه ، وقيل : يقدم الابن قطعا ، وعن -
القاضي أبي حامد إذا اجتمع جدتان لإحداهما ولادتان ، وللأخرى ولادة ، فإن كانتا في درجة ، فذات الولادتين أولى ، وإن كانت أبعد ، فالأخرى أولى ، وأنه لو اجتمعت بنت بنت بنت أبوها ابن ابن بنته وبنت بنت بنت ليس أبوها من أولاده ، فإن كانتا في درجة ، فصاحبة القرابتين أولى ، وإن كانت هي أبعد ، فالأخرى أولى .
فرع
متى استوى اثنان ، وزع الموجود عليهما ، فلو كثروا بحيث لو وزع ، لم يسد قسط كل واحد مسدا ، أقرع بينهم .
فرع
إذا أوجبنا
النفقة على أقرب القريبين ، فمات أو أعسر ، وجبت على الأبعد ، فإن أيسر الأقرب بعد ذلك ، لم يرجع الأبعد عليه بما أنفق .
ذكر
الروياني أنه لو كان
له ولدان ، ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما ، وله أب موسر ، لزم الأب نفقة الآخر ، فإن اتفقا على الإنفاق بالشركة ، أو على أن يختص كل واحد بواحد ، فذاك ، وإن اختلفا ،
[ ص: 96 ] عمل بقول من يدعو إلى الاشتراك . وأنه لو كان للأبوين المحتاجين ابن لا يقدر إلا على نفقة أحدهما ، وللابن ابن موسر ، فعلى ابن الابن باقي نفقتهما ، فإن اتفقا على أن ينفقا عليهما بالشركة ، أو يخص كل واحد بواحد ، فذاك ، وإن اختلفا ، رجعنا إلى اختيار الأبوين إن استوت نفقتهما ، وإن اختلفت ، اختص أكثرهما نفقة بمن هو أكثر يسارا ، وهذان الجوابان في الصورتين مختلفان ، والقياس أن يسوى بينهما ، بل ينبغي في الصورة الثانية أن يقال : تختص الأم بالابن تفريعا على الأصح ، وهو تقديم الأم على الأب ، وإذا اختصت به ، تعين الأب لإنفاق ابن الابن .