الفصل الثالث في
المماثلة .
وهي معتبرة في وجوب القصاص في الطرف ، كالكفاءة في النفس ، فلا يقابل طرف بغير جنسه ، كاليد بالرجل ، وإذا اتحد الجنس ، لم
[ ص: 189 ] يؤثر التفاوت في الصغر والكبر ، والطول والقصر ، والقوة والضعف ، والضخامة والنحافة ، كما لا تعتبر مماثلة النفسين في هذه الأمور ، وكذلك تقطع يد الصانع بيد الأخرق ، كما يقتل العالم بالجاهل ، وإنما يؤثر التفاوت في أمور :
أحدها :
تفاوت المحل والقدر ، أما المحل ، فلا تقطع اليد اليمنى باليسرى ، ولا اليسرى باليمنى ، وكذا الرجل والعين والأذن ، ولا يقطع من الجنس الأعلى بالأسفل ، وكذا العكس ، وكذا في الشفة ، ولا أصبع ولا أنملة بغيرها ، ولا أصبع زائدة بزائدة أخرى ، إذا اختلف محلهما ، بأن كانت زائدة بجنب الخنصر ، وزائدة الجاني بجنب الإبهام .
وأما القدر ، فالتفاوت في الحجم صغرا وكبرا ، وطولا وقصرا لا يؤثر في الأعضاء الأصلية قطعا ، وكذا في الزائدة على الأصح ، فإن قلنا : تؤثر ، وكانت زائدة الجاني أكبر ، لم يقتص منه .
وإن كانت زائدة المجني عليه أكبر ، اقتص ، وأخذ حكومة قدر النقصان ، ثم الخلاف فيما رأى الإمام فيما إذا لم يؤثر تفاوت الحجم في الحكومة .
فإن أثر ، فلا قصاص ، قال : والاختلاف في الكون وسائر الصفات لا يؤثر بعد التساوي في الحكومة .
وتقطع الزائدة بالأصلية إذا اتفق محلهما ، ولا شيء له لنقصان الزائدة ، كما لو رضي بالشلاء عن السليمة .
فرع .
نقلوا عن النص أنه لو كانت زائدة الجاني أتم ، بأن كان لأصبعه الزائدة ثلاث مفاصل ، ولزائدة المجني عليه مفصلان ، لم تقطع بها ، لأن هذا أعظم من تفاوت المحل .
[ ص: 190 ] فرع .
الكلام في
قصاص الموضحة يتعلق بالمساحة والمحل ، أما المساحة ، فمعتبرة طولا وعرضا ، فلا تقابل ضيقة بواسعة ، ولا يقنع بضيقة عن واسعة ، فتذرع موضحة المشجوج بخشبة أو خيط ، ويحلق ذلك الموضع من رأس الشاج ، إن كان عليه شعر .
ويخط عليه بسواد أو حمرة ، ويضبط الشاج حتى لا يضطرب ، ويوضح بحديدة حادة كالموسى ، ولا يوضح بالسيف .
وإن كان أوضح به ، لأنه لا تؤمن الزيادة ، وكذا لو أوضح بحجر ، أو خشب ، يقتص منه بالحديدة ، كذا ذكره القفال وغيره ، وتردد فيه
الروياني ، ثم يفعل ما هو أسهل عليه من الشق دفعة واحدة ، أو شيئا فشيئا ، ويرفق في موضع العلامة ، ولا عبرة بتفاوت الشاج والمشجوج في غلظ الجلد واللحم .
وأما المحل ، فإن أوضح جميع رأسه ، ورأساهما متساويان في المساحة ، أوضح جميع رأسه ، وإن كان رأس الشاج أصغر ، استوعبناه إيضاحا ، ولا يكفي به ولا ينزل لإتمام المساحة إلى الوجه ، ولا إلى القفا ، بل يؤخذ قسط ما بقي من الأرش إذا وزع على جميع الموضحة .
وإن كان
رأس الشاج أكبر ، لم يوضح جميعه ، بل بقدره بالمساحة والاختيار في موضعه إلى الجاني ، وقيل : إلى المجني عليه ، وقيل : يبتدئ من حيث بدأ الجاني ، ويذهب به في الجهة التي ذهب إليها إلى أن يتم القدر .
والصحيح الأول وبه قطع الأكثرون ، فإن كان في رأس الجاني موضحة ، والباقي بقدر ما فيه القصاص ، تعين ، وصار كأنه كل الرأس ، ولو أراد أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس ، وبعضه من مؤخره ، لم يكن له ذلك على الصحيح ، لأنه يأخذ موضحتين بدل موضحة .
ولو
أراد أن يستوفي البعض ويأخذ للباقي قسطه من الأرش مع تمكنه من استيفاء الباقي ، لم يكن له ذلك على الأصح ، بخلاف ما لو أوضح في موضعين ، فإن
[ ص: 191 ] له أن يقتص في أحدهما ، ويأخذ أرش الآخر ، لأنهما جنايتان ، ولو أوضح الجاني بعض الرأس ، كالقذال والناصية ، أوضحنا ذلك القدر وتممناه من الرأس إن بقي من حقه شيء .
وقيل : لا يجوز مجاوزة ذلك الموضع ، والأول هو الصحيح المنصوص ، ولو أوضح جبهته ، وجبهة الجاني أصغر ، لم يرتق إلى الرأس ، وليجيء في مجاوزة موضع من الوجه إلى موضع يلاصقه الوجهان .
وإذا أوجبنا القصاص في موضحة سائر البدن ، فأوضح ساعده وساعد الجاني أصغر ، لم يجاوزه إلى العضد ولا إلى الكتف ، كما في الوجه والرأس .
فرع .
لو
زاد المقتص في الموضحة على قدر حقه ، نظر ، إن زاد باضطراب الجاني ، فلا غرم ، وإن زاد عمدا ، اقتص منه في الزيادة ولكن بعد اندمال الموضحة التي في رأسه ، وإن آل الأمر إلى المال ، أو أخطأ باضطراب يده ، وجب الضمان ، وفي قدره وجهان .
أحدهما : يوزع الأرش عليهما ، فيجب قسط الزيادة ، وأصحهما : يجب أرش كامل ، ولو قال المقتص : أخطأت بالزيادة ، فقال المقتص منه : بل تعمدتها ، صدق المقتص بيمينه ، ولو قال : تولدت الزيادة باضطرابك ، وأنكر ، فأيهما يصدق ؟ وجهان ، لأن الأصل براءة الذمة وعدم الاضطراب .