التاسعة : سبق في كتاب الوكالة أن
التوكيل في استيفاء القصاص جائز في حضرة الموكل ، وكذا في غيبته على المذهب ، وحد القذف كالقصاص ، وسواء جوزناه أم لا ، فإذا استوفاه الوكيل ، صار حق الموكل مستوفى ، كما لو وكله في بيع سلعة توكيلا فاسدا ، فباع الوكيل ، صح البيع .
إذا عرفت هذا ، فإذا وكل وغاب ، أو تنحى الوكيل بالجاني ليقتص منه ، فعفا الموكل ، نظر ، إن لم يعلم أكان العفو قبل القتل أم بعده ، فلا شيء على الوكيل ، وإن عفا بعد قتله ، فهو لغو ، وإن عفا ، ثم قتل الوكيل ، فإن كان عالما بالعفو ، فعلى الوكيل القصاص ، وإن كان جاهلا به ، فلا قصاص على المذهب والمنصوص وبه قطع الأصحاب .
وحكى الشيخ
أبو محمد في " السلسلة " قولا مخرجا : أنه يجب القصاص ، وليس بشيء ، فإن
ادعى على الوكيل العلم بالعفو ، فأنكر ، صدق بيمينه ، فإن نكل ، حلف الوارث واستحق القصاص ، وفي وجوب الدية إذا قتله جاهلا قولان : أظهرهما : تجب ، لأنه بان أنه قتله بغير حق ، ولو عزله ، فقتله الوكيل جاهلا العزل ، ففي وجوب الدية القولان .
فإن لم نوجب الدية ، وجبت الكفارة على الأصح ، وإذا أوجبنا الدية ، فهي مغلظة على المشهور ، وفي قول : مخففة ، فإن قلنا : مخففة ، فهي على العاقلة ، وإن قلنا : مغلظة ، فهي على الوكيل على الأصح ، لأنه متعمد ،
[ ص: 249 ] وإنما سقط القصاص للشبهة ، وقيل : على العاقلة ، لأنه جاهل بالحال ، فأشبه المخطئ ، فإن قلنا : على الوكيل ، فهل هي حالة أم مؤجلة ؟ وجهان ، حكاهما الإمام .
قلت : أصحهما : حالة . والله أعلم .
ثم الدية هنا تكون لورثة الجاني لا تعلق للموكل بها بخلاف ما إذا ثبت القصاص لابنين ، وبادر أحدهما ، وقتل الجاني ، يجب عليه نصف الدية للآخر على أحد القولين .
والفرق أن القاتل هناك أتلف حق أخيه ، فتعلق الأخ ببدله ، والوكيل هنا قتل بعد سقوط حق الموكل ، ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج عن بعضهم جعله على الخلاف ، ثم إذا غرم الوكيل ، أو عاقلته الدية ، فهل يرجع الغارم على العافي ؟ فيه أوجه .
أصحها : لا ، لأن العافي محسن بالعفو غير مغرر بخلاف الغاصب إذا قدم الطعام المغصوب إلى الضيف ، والثاني : نعم ، والثالث : يرجع على الوكيل دون العاقلة ، فهل لولي الجاني أن يأخذ الدية ابتداء من العافي ؟ وجهان .
وأما الكفارة فلا يرجع بها على الأصح ، كما لا تضرب على العاقلة ، وهل للموكل العافي دية قتيله ؟ ينظر ، إن عفا مجانا أو مطلقا ، وقلنا : المطلق لا يوجب الدية ، فلا شيء له .
وإن عفا على مال ، أو مطلقا ، وقلنا : يوجب المال ، فله الدية في تركة الجاني مغلظة إن أوجبنا بقتل الوكيل الدية ، وإن لم نوجبها به ، فلا دية للموكل لخروج العفو على هذا التقدير عن الفائدة . وبالله التوفيق .