فصل
قد ذكرنا الديات في الجروح والأعضاء والمنافع مفصلة ؛ فيجوز أن تجتمع في شخص ديات كثيرة ، بأن تزال منه أعضاء ومنافع ، ولا يسري إلى النفس ، بل تندمل ، وهذا بيان الديات .
الأذنان أو إبطال إحساسهما ، العينان أو البصر ، الأجفان ، المارن ، الشفتان ، اللسان أو النطق ، الأسنان ، اللحيان ، اليدان ، الرجلان ، الذكر ، الأنثيان أو الحلمتان والشفران ، الأليان ، العقل ، السمع ، الشم ، الصوت ، الذوق ، المضغ ، الإمناء أو الإحبال ، إبطال لذة الجماع ، إبطال لذة الطعام ، الإفضاء في المرأة ، البطش ، المشي .
وقد يضاف إليها المواضح وسائر الشجات ، والجوائف والحكومات ، فيجتمع شيء كثير لا ينحصر ؛ فإذا اندملت هذه الجراحات ، وجب جميع هذه الديات ، وإن سرت فمات
[ ص: 307 ] منها ، وجب دية واحدة بلا خلاف .
ولو
عاد الجاني ، فحز رقبة المجروح . أو قده نصفين ، فإن كان ذلك بعد الاندمال ، وجبت دية الأطراف ودية النفس لاستقرار دية الأطراف بالاندمال ، وإن كان قبل الاندمال ، فوجهان : الأصح المنصوص : أنه لا يجب إلا دية النفس كالسراية ، والثاني خرجه ابن سريج ، وبه قال
الإصطخري ، واختاره الإمام : تجب ديات الأطراف مع دية النفس ، هذا إذا اتفقت الجناية على النفس والأطراف في العمد أو الخطأ ، فأما إذا كانت إحداهما عمدا ، والأخرى خطأ ، وقلنا بالتداخل عند الاتفاق ، فهنا وجهان :
أحدهما : التداخل أيضا ، وأصحهما : لا ، لاختلافهما واختلاف من يجنيان عليه ؛ فلو
قطع يده خطأ ، ثم حز رقبته قبل الاندمال عمدا ؛ فللولي قتله قصاصا وليس له قطع يده ؛ فإن قتله قصاص . فإن قلنا بالتداخل ، وجعلنا الحكم للنفس ، فلا شيء له من الدية . وإن قلنا : لا تداخل ، أخذ نصف الدية من العاقلة لليد ، وإن عفا عن القصاص ؛ فإن قلنا بالتداخل ، فوجهان ؛ أحدهما : يجب دية نصفها مخففة على العاقلة ، ونصفها مغلظة على الجاني . وينسب هذا إلى النص .
وأصحهما وبه قطع
البغوي : يجب دية مغلظة على الجاني ، لأن معنى التداخل إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس لمصير الجناية نفسا . وإن قلنا : لا تداخل ، وجب نصف دية مخففة على العاقلة ، ودية مغلظة عليه . وإن
قطع يده عمدا ، ثم حز رقبته خطأ قبل الاندمال ؛ فللولي قطع يده . وإذا قطعها إن قلنا بالتداخل ؛ فله نصف الدية المخففة ، لأنه أخذ بالقطع نصف بدل النفس . وإن قلنا : لا تداخل ؛ فله كمال الدية المخففة . وإن عفا عن القطع ؛ فإن قلنا بالتداخل ؛ فعلى الوجهين ، على النص يجب نصف دية مخففة ، ونصف مغلظة لليد ، وعلى الآخر دية مخففة للنفس .
قال الإمام : ولو
قطع يديه ورجليه أو أصبعه عمدا ، ثم حز رقبته قبل الاندمال خطأ أو بالعكس ، وقلنا : تراعى صفة
[ ص: 308 ] الجنايتين على القول بالتداخل ، تنصفت تخفيفا وتغليظا ، ولا نظر إلى أقدار أروش الأطراف ، لأن الحكم بالتداخل مبني على أن الحز بعد قطع الأطراف كسراية الأطراف ؛ فكان الحز مع الجراحات السابقة ، كجراحات مؤثرة في الزهوق انقسمت عمدا وخطأ ، وحينئذ تتنصف الدية تخفيفا وتغليظا ولا نظر إلى أقدار الأروش .