الطرف الثاني : في
الجناية على الرقيق : قد سبق أن الواجب بقتل الرقيق قيمته بالغة ما بلغت ، يستوي فيه القن والمدبر والمكاتب وأم الولد ، وأما
الجناية عليه فيما دون النفس ، فينظر ، إن كانت مما يوجب في الحر بدلا مقدرا ، كالموضحة وقطع الأطراف ؛ فقولان : أظهرهما : أن الواجب فيها جزء من القيمة ، نسبته إلى القيمة كنسبة الواجب في
[ ص: 312 ] الحر إلى الدية ، والثاني : الواجب ما نقص من قيمته ، ومن الأصحاب من أنكر القول الثاني وقطع بالأول . والجمهور على إثباتهما ، ثم منهم من يقول : الأول منصوص ، والثاني خرجه
ابن سريج من قوله : لا تحمل العاقلة عبدا ؛ فإنه جعله كالبهيمة ، ومنهم من يقول : هما منصوصان ؛ الأول جديد ، والثاني قديم ، وإن كانت الجناية لا توجب مقدرا في الحر ، فواجبها في العبد ما نقص من القيمة بلا خلاف .
إذا عرف هذا فعلى الأظهر في يد العبد نصف قيمته ، وفي يديه قيمته ، وفي أصبعه عشرها ، وفي أنملته ثلث عشرها ، وفي موضحته نصف عشرها ، وعلى هذا القياس .
ولو قطع ذكره وأنثييه ؛ فعليه قيمتان ، وعلى القول الآخر الواجب فيها كلها ما نقص ، فإن لم تنقص القيمة بقطع الذكر والأنثيين ، أو زادت ؛ فوجهان : أصحهما : لا يجب شيء .
والثاني : تجب حكومة يقدرها الحاكم بالاجتهاد ، أو يعتبر بما قبل الاندمال ، كالوجهين فيما إذا اندملت الجراحة ولم يبق شين ولا أثر ، ومنهم من قطع بالوجه الأول ، ولو قطع يد عبد قيمته ألف ، فعادت إلى مائتين ؛ فعلى الأظهر يجب خمسمائة ، وعلى القديم ثمانمائة ، ولو عادت إلى ثمانمائة وجب على الأظهر خمسمائة ، وعلى القديم مائتان .
ولو
جنى على العبد اثنان ، فقطع أحدهما يده ، والآخر يده الأخرى ، نظر ، إن وقعت الجنايتان معا ، فعليهما قيمته ، وإن تعاقبتا وكانت القيمة عند قطع الثاني ناقصة بسبب القطع الأول ، فإن مات منهما ، ففي الواجب عليهما أوجه سبقت في كتاب الصيد والذبائح . وإن وقف القطعان ، نظر ؛ إن كان قطع الثاني بعد اندمال الأول ، لزم كل واحد منهما نصف قيمته قبل جنايته ؛ فإن كانت قيمته ألفا ، فصارت بالقطع الأول ثمانمائة ، وبالثاني ستمائة ، لزم الأول خمسمائة ، والثاني أربعمائة . وإن قطع الثاني قبل الاندمال الأول ، لزم الثاني نصف ما أوجبنا
[ ص: 213 ] على الأول وهو مائتان وخمسون ، لأن الجناية الأولى لم تستقر وقد أوجبنا نصف القيمة ؛ فكأنه انتقص نصف القيمة ، فلو قطع الواحد يدي العبد ولم يسر ؛ فالحكم كما لو قطعه اثنان ، هذا كله تفريع على الأظهر .
وعلى الثاني يلزم كل قاطع ما نقص بجنايته . وإذا قطعت أطراف عبد ، ثم حز رقبته ، لزمه قيمة العبد ذاهب الأطراف ، وبالله التوفيق .