فصل
في مسائل تتعلق بالتصرف في الشارع ، وفي ملك نفسه . والقول
[ ص: 319 ] في التصرف في الشارع سبق بعضه في الصلح وفي إحياء الموات ، ويذكر هنا بقيته إن شاء الله تعالى .
المسألة الأولى : لا يجوز إشراع الأجنحة التي تضر بالمارة إلى الشارع ؛ فلو فعل منع . وما يتولد منه من هلاك يكون مضمونا . فإن كان الجناح عاليا غير مضر ؛ فلا منع من إشراعه ، وكذا بناء الساباط العالي ؛ لكن لو تولد منه هلاك إنسان ؛ فهو مضمون بالدية على العاقلة ، وإن هلك به مال ؛ وجب الضمان في ماله ، ولم يفرقوا بين أن يأذن الإمام أم لا ، ولو أشرع جناحا إلى درب منسد بغير إذن أهله ؛ ضمن المتولد منه ، وبإذن أهله لا ضمان ؛ كالحفر في دار الغير بإذنه .
الثانية : يتصرف كل واحد في ملكه بالمعروف ، ولا ضمان فيما يتولد منه بشرط جريانه على العادة واجتناب الإسراف ؛ فلو وضع حجرا في ملكه أو نصب شبكة أو سكينا ، وتعثر به إنسان فهلك ، أو على طرف سطحه ، فوقع على شخص ، أو على مال ، أو وضع عليه جرة ماء ؛ فألقتها الريح ، أو ابتل موضعها فسقطت ؛ فلا ضمان .
وكذا لو
وقف دابة في ملكه فرفست إنسانا أو بالت فأفسدت به ثوبا أو غيره مما هو خارج الملك ، أو كان يكسر الحطب في ملكه ، فأصاب شيء منه عين إنسان فأبطل ضوءها ؛ فلا ضمان ، وكذا لو
حفر بئرا في ملكه فتندى جدار جاره فانهدم ، أو غار ماء بئره أو حفر بالوعة فتغير ماء بئر الجار ؛ فلا شيء عليه ؛ لأن الملاك لا يستغنون عن مثل هذا بخلاف الإشراع إلى الشارع ؛ فإنه يستغنى عنه .
ولو قصر فخالف العادة في سعة البئر ضمن ؛ فإنه إهلاك ، وليكن كذلك إذا قرب الحفر من الجدار على خلاف العادة ، ويمنع من وضع السرجين في أصل حائط الجار ، ولو أوقد نارا في ملكه ، أو على سطحه ؛ فطار الشرر إلى ملك الغير ؛ فلا ضمان إلا أن
[ ص: 320 ] يخالف العادة في قدر النار الموقدة ، أو يوقد في يوم ريح عاصفة ؛ فيكون ذلك كطرح النار في دار غيره ؛ فيضمن ؛ فإن عصفت الريح بغتة بعدما أوقد ؛ فهو معذور .
ولو
سقى أرضه ؛ فخرج الماء من جحر فأرة أو شق ؛ فدخل أرض غيره ، فأفسده زرعه ؛ فلا ضمان إلا أن يخالف العادة في قدر الماء ، أو كان عالما بالجحر أو الشق ، فلم يحتط .
ولو حفر البئر في أرض خوارة ولم يطأها ، ومثلها تنهار إذا لم تطو ، كان مقصرا ، كما ذكرنا في سعة البئر ؛ ولا بد من هذا الاحتياط حيث جوزنا حفر البئر في الشارع .
الثالثة : يجوز إخراج الميزاب إلى الشارع ، وليكن عاليا ؛ كالجناح ؛ فلو سقط منه شيء فهلك به إنسان أو مال فقولان : القديم : لا ضمان ، والجديد الأظهر : يضمن . فعلى هذا إن كان الميزاب كله خارجا بأن سمر عليه ، تعلق به جميع الضمان ، وإن كان بعضه في الجدار ، وبعضه خارجا ؛ فإن انكسر ، فسقط الخارج ، أو بعضه ؛ تعلق به جميع الضمان أيضا . وإن انقلع من أصله ؛ فوجهان أو قولان ؛ أصحهما : يجب نصف الضمان ، والثاني : يجب بقسط الخارج ، ويكون التقسيط بالوزن ، وقيل : بالمساحة ، وسواء أصابه الطرف الداخل أو الخارج ، لأن الهلاك يحصل بثقل الجميع ، والحكم في كيفية التضمين إذا حصل الهلاك بجناح مشروع ؛ إما بالخارج منه ، وإما بالخارج والداخل جميعا كما ذكرنا في الميزاب بلا فرق .