الطرف الثالث في
اجتماع سببين . فمتى اجتمع سببا هلاك ؛ قدم الأول منهما ؛ لأنه المهلك ؛ إما بنفسه ؛ وإما بوساطة الثاني ؛ فأشبه التردية مع الحفر ؛ فإذا حفر بئرا في محل عدوان ، أو نصب سكينا ، ووضع آخر حجرا فتعثر بالحجر فوقع على مؤخر السكين ، أو في مقدم البئر فمات ؛ فالضمان يتعلق بواضع الحجر .
وقال
أبو الفياض من أصحابنا : يتعلق بناصب السكين إذا كانت قاطعة موحية ، والصحيح الأول ؛ وبه قطع الجمهور ؛ لأن التعثر بالحجر هو الذي ألجأه إلى الوقوع في البئر ، أو على السكين ؛ وكأنه أخذه فرداه ، وصار كما لو كان في يده سكين ، فألقى عليه رجل إنسانا ؛ وجب القصاص والضمان
[ ص: 325 ] على الملقي . ولو أهوى إليه من في يده سكين ووجهه نحوه حين ألقاه الملقي كان القصاص على صاحب السكين ، هذا إذا كانا متعديين .
فلو حفر بئرا ، أو نصب سكينا في ملكه ، ووضع متعد حجرا فعثر رجل بالحجر ، ووقع في البئر ، أو على السكين ؛ فالضمان أيضا على واضع الحجر .
ولو
وضع حجرا في ملكه وحفر متعد هناك بئرا ، أو نصب سكينا ؛ فعثر رجل بالحجر ، ووقع في البئر أو على السكين ؛ فالمنقول أنه يتعلق الضمان بالحافر وناصب السكين ؛ فإنه المتعدي . وينبغي أن يقال : لا يتعلق بالحافر والناصب ضمان ؛ كما سنذكره قريبا في مسألة السيل إن شاء الله تعالى . ويدل عليه أن
المتولي قال : لو حفر بئرا في ملكه ، ونصب غيره فيها حديدة ، فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات ؛ فلا ضمان على واحد منهما .
فرع
حفر بئرا في محل عدوان ، وحصل حجر على طرف البئر بحمل السيل ، أو بوضع حربي أو سبع ، فعثر رجل بالحجر ؛ فوقع في البئر فهلك ؛ فلا ضمان على أحد ، كما لو ألقاه الحربي ، أو السبع في البئر . وقيل : يجب الضمان على عاقلة الحافر وهو ضعيف . ولو حفر بئر عدوانا ، ونصب آخر في أسفلها سكينا فالضمان على عاقلة الحافر على الصحيح ، وقيل : على ناصب السكين .
فرع
حفر بئرا قريبة العمق ؛ فعمقها غيره ؛ فوجهان : أحدهما : يختص الأول بضمان التالف فيها ، وأصحهما : يتعلق بهما ؛ وعلى هذا هل يتنصف ، أم يوزع على الأذرع التي حفراها ؟ وجهان :
[ ص: 326 ] قلت : الأصح : التنصيف كالجراحات . والله أعلم .
ولو حفر بئرا وطمها ، فأخرج غيره ما طمت به ؛ فهل يتعلق ضمان التالف فيها بالأول ؛ لأنه المبتدئ ، أم بالثاني لانقطاع أثر الأول بالطم ؟ وجهان :
قلت : أصحهما الثاني . والله أعلم .
فرع
وضع زيد حجرا في طريق ، وآخران حجرا بجنبه ؛ فتعثر بهما إنسان ومات ؛ فالأصح تعلق الضمان بهم أثلاثا ؛ كالجراحات المختلفة ، وقيل : يتعلق بزيد نصفه ، وبالآخرين نصفه .