الطرف الثالث : في
كيفية الضرب على العاقلة ، قد سبق بيان ترتيب العصبات والجهات ، وقدر الواجب ؛ فإذا انتهى التحمل إلى بيت المال ؛ فلم يكن فيه مال ؛ فهل يؤخذ الواجب من الجاني ؟ وجهان بناء على أن الدية تجب على العاقلة أولا أم على الجاني ، ثم تحملها العاقلة ؟ وفيه وجهان ، ويقال : قولان ؛ أصحهما : تؤخذ من الجاني ؛ فإن قلنا : لا تؤخذ ؛ ففي وجه تجب الدية على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء ، ولم يذكر الجمهور هذا .
لكن لو حدث في بيت المال مال ، هل يؤخذ منه الواجب ؟ وجهان ؛ حكاهما
القاضي حسين وغيره ؛ أحدهما : لا ، كما لا يطالب فقير العاقلة لغناه بعد الحول . وإن قلنا : تؤخذ من الجاني ؛ فهي مؤجلة عليه كالعاقلة ، وهل تجب على أبيه وابنه ؟ وجهان ، أصحهما : لا ، والثاني : نعم ، ويقدمان على القاتل .
فرع
إذا
اعترف الجاني بالخطأ أو شبه العمد ، وصدقته العاقلة ؛ فعليهم الدية ؛ وإن كذبوه ؛ لم يقبل إقراره عليهم ولا على بيت المال ؛ لكن يحلفون على نفي العلم ؛ فإذا حلفوا ؛ فالدية على المقر قطعا .
وعن
المزني : أنه لا شيء عليه إن قلنا : تجب الدية أولا على العاقلة ، قال الإمام : ولا يبعد هذا عن القياس ، والذي قطع به الأصحاب هو الأول ، وتتأجل الدية عليه كالعاقلة ؛ لكنه يؤخذ منه في آخر كل حول ثلث الدية بخلاف الواحد من العاقلة ؛ فلو مات ، فهل تحل الدية ؟ وجهان ، أحدهما : لا ، لأن الأجل يلازم دية الخطأ ، وأصحهما : نعم ؛
[ ص: 358 ] كسائر الديون المؤجلة بخلاف ما لو مات أحد العاقلة في أثناء الحول ، لا تؤخذ من تركته ؛ لأن سبيله المواساة ، والوجوب على الجاني سبيله صيانة الحق عن الضياع ؛ فلا يسقط ؛ فلو مات معسرا . قال البغوي : يحتمل أن تؤخذ الدية من بيت المال ، كمن لا عاقلة له ، ويحتمل المنع كما لو كان حيا معسرا .
الثاني أرجح . والله أعلم .
ولو غرم الجاني ثم اعترفت العاقلة ، فإن قلنا : الوجوب يلاقيه ؛ لم يرد الولي ما قبض ؛ بل يرجع الجاني على العاقلة ، وإن قلنا : هي على العاقلة أولا ؛ رد الولي ما أخذ ، وابتدأ بمطالبة العاقلة .
وفي " التهذيب " أنه لو ادعى عليه قتل خطأ ، أو شبه عمد ولا بينة ونكل المدعى عليه عن اليمين ، فحلف المدعي ؛ فإن قلنا : اليمين المردودة كإقرار المدعى عليه ، وجبت الدية على المدعى عليه إن كذبت العاقلة المدعي . وإن قلنا : كالبينة ؛ فهل الدية على العاقلة ، أم على المدعى عليه ذهابا إلى أنها لا تكون كالبينة إلا في حق المتداعيين ؟ فيه وجهان .