الطرف الرابع
فيمن يحلف في القسامة :
وهو كل من يستحق بدل الدم ، فيدخل فيه السيد ، فإنه إذا قتل عبده ، أقسم على المذهب كما سبق ، وعلى هذا يقسم المكاتب إذا قتل عبده ، ولا يقسم سيده ، بخلاف ما إذا قتل عبد المأذون له فإن السيد يقسم دون المأذون له ; لأنه لا حق له ، بخلاف المكاتب ، فإن عجز قبل أن يقسم ، وتعرض عليه اليمين ، أقسم السيد ، وإن عجز بعد عرض اليمين ونكوله ، لم يقسم السيد ، لبطلان الحق بنكوله ، كما لا يقسم
[ ص: 26 ] الوارث إذا نكل المورث ، ولكن يحلف المدعى عليه ، وإن عجز بعد ما أقسم ، أخذ السيد القيمة ، كما لو مات الولي بعد ما أقسم .
فرع
ملك عبده عبدا ، فقتل وهناك لوث ، فإن قلنا : العبد لا يملك بتمليك السيد ، أقسم السيد ; لأن المقتول عبده ، فإن أقسم ، كانت القيمة له ولورثته بعده ، وإن قلنا : يملك بالتمليك ، بني ذلك على أن من ملك عبده شيئا فأتلف ، هل ينقطع حق العبد منه وتكون القيمة للسيد ، أم ينتقل حقه إلى القيمة ؟ وفيه وجهان ، أصحهما : الانقطاع ؛ لضعف ملكه ولأنه لو أعتق أو انتقل من ملك السيد ، انقلب ما ملكه إلى ملك سيده ، فإن قلنا : ينقطع ، أقسم السيد ، وإلا فوجهان ، أحدهما : يقسم العبد كالمكاتب ، والثاني : لا ، لضعف ملكه ، فعلى هذا لا يقسم السيد أيضا ; لأنه لا ملك له ، ولو استرجع السيد الملك ، وأعاد القيمة إلى ملكه ، لم يقسم السيد أيضا ; لأنها لم تثبت للعبد ، فكيف يخلفه السيد فيها ، وإن قلنا : يقسم العبد ، فقد قيل : لا يقسم السيد أيضا ; لأن العبد لم يكن له حين قتل ، ولا صارت القيمة له حينئذ ، وإنما يملك بالاسترجاع ، قال الإمام : ويجوز أن يجعل السيد خلفا عن العبد كالوارث مع مورثه ، ولو ملك مستولدته عبدا كان كما لو ملك عبده القن في جميع ما ذكرنا ، وإن عتقت بموت السيد ، ولو أوصى لمستولدته بعبد ، فقتل وهناك لوث ، أقسم السيد وأخذ القيمة وبطلت الوصية ، ولو أوصى لها بقيمة عبده بعدما قتل ، أو أوصى لها بقيمة عبده فلان إن قتل ، صحت الوصية ; لأن القيمة له ولا يقدح فيها الخطر ; لأن الوصية تحتمل الإخطار ، وليست الوصية للمستولدة كالوصية للقن ; لأنها تعتق بالموت وهو وقت استحقاق الوصية ، والقن ينتقل إلى الوارث ، فلا يمكن تصحيح الوصية له ، قال
[ ص: 27 ] الروياني : وعلى هذا لو أوصى لعبد نفسه ، ثم أعتقه قبل موته ، صحت الوصية ، وعن القاضي أبي الطيب ، أنه لو باعه بعد الوصية ، صحت الوصية ، ويثبت الاستحقاق للمشتري ، وإذا صحت الوصية لها ، فإن أقسم السيد ثم مات فالقيمة لها ، وإن لم يقسم حتى مات ولم يوجد منه نكول ، أقسم الورثة ، وتكون القيمة لها بالوصية ، وإنما أقسم الورثة ، وإن كانت القيمة للمستولدة ; لأن العبد يوم القتل كان للسيد ، والقسامة من الحقوق المعلقة بالقتل ، فيرثونها كسائر الحقوق ، وتثبت القيمة له ، ثم يصرفونها إلى المستولدة بموجب وصيته ، ولهم غرض ظاهر في تنفيذ وصيته وتحقيق مراده ، وهذا كما أنهم يقضون دينه ، وليس سبيلهم فيه سبيل سائر الناس ، حتى لو مات من عليه دين ولا تركة له ، فقضاه الورثة من مالهم ، لزم المستحق قبوله بخلاف ما لو تبرع به أجنبي ، قال الإمام : وغالب ظني أني رأيت فيه خلافا ، قال : ولو أوصى لإنسان بمال ومات ، فجاء من ادعى استحقاقه هل يحلف الوارث لتنفيذ الوصية ؟ فيه احتمالان ، والفرق أن القسامة تثبت على خلاف القياس احتياطا للدماء .
ولو نكل الورثة عن القسامة ، فهل للمستولدة أن تقسم وتأخذ القيمة ؟ قولان ، أحدهما : نعم ; لأن الحق لها ، وأظهرهما : لا ; لأن القسامة لإثبات القيمة ، وهي تثبت للسيد ثم تنتقل بالوصية إليها ، ولا يقوم مقام السيد إلا وارثه ، ويجري القولان في المديون إذا لم يقسم ورثته ، هل يقسم غرماؤه ؟ ولا خلاف أن للورثة الدعوى ، وطلب اليمين من المدعى عليه إذا لم يقسموا ، وأما المستولدة ، فهل لها الدعوى وطلب اليمين ؟ قيل : إن قلنا : لها أن تقسم ، فلها ذلك ، وإلا فلا ، والمذهب والمنصوص أن لها ذلك ، وإن قلنا : لا تقسم ; لأنها صاحبة القيمة ، وأما القسامة فللورثة ، فلو نكل الخصم ردت اليمين عليها ، قال الإمام : وعلى هذا لا يفتقر طلبها ودعواها إلى إعراض الورثة عن الطلب .
[ ص: 28 ] واعلم أن الورثة وإن كان لهم القسامة ، لا تجب عليهم وإن كانوا متيقنين ، فالأيمان لا تجب قط .
فرع
لو قطعت يد عبد ، فعتق ومات بالسراية ، فقد سبق أن الواجب فيه الدية ، وذكرنا قولين ، أظهرهما : للسيد أقل الأمرين من نصف قيمة العبد وكمال الدية ، والثاني : أنه أقل الأمرين من كمال القيمة وكمال الدية ، فلو وقعت هذه الجناية في محل لوث وكان الواجب قدر ما يأخذه السيد ولا يفضل شيء للورثة ، فهل يقسم ؟ يبنى على ما لو مات رقيقا ، إن قلنا : يقسم ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان ، أصحهما : يقسم أيضا ; لأن القتيل حر ، والواجب دية ، وإن كان يفضل عن الواجب شيء للورثة ، أقسم الورثة قطعا ، وفي قسامة السيد الخلاف ، إن قلنا : لا يقسم ، أقسم الورثة خمسين يمينا ، وإلا فالسيد مع الوارث كالوارثين ، فيعود القولان في أن كل واحد يحلف خمسين يمينا ، أم توزع الأيمان عليهما بحسب ما يأخذان .
فرع
إذا ارتد ولي القتيل بعد ما أقسم ، فالدية ثابتة ، ولها حكم سائر أمواله التي ارتد عليها ، وإن ارتد قبل أن يقسم ، قال الأصحاب : الأولى أن لا يعرض الحاكم القسامة عليه ; لأنه لا يتورع عن اليمين الكاذبة ، فإذا عاد إلى الإسلام ، أقسم ، ولو أقسم في الردة ، فالمذهب صحة القسامة ، واستحقاق الدية بها ، وهي كمال كسبه بعد الردة باحتطاب واصطياد ونحوهما ، ولو ارتد الولي قبل موت المجروح ، ومات المجروح والولي مرتد ، لم يقسم ; لأنه لا يرث بخلاف ما إذا قتل العبد ، وارتد
[ ص: 29 ] السيد ، لا يفرق بين أن يرتد قبل موت العبد أم بعده ، بل يقسم إذا قلنا بالقسامة في بدل العبد ; لأن استحقاقه بالملك لا بالإرث .
فرع
قتل من لا وارث له بجهة خاصة وهناك لوث ، فلا قسامة لعدم المستحق المعين ، لكن ينصب القاضي من يدعي عليه ويحلفه ، فإن نكل ، فهل يقضي عليه بنكوله ؟ فيه خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى .