الطرف الثالث في
حكم هذه العقوبة وهو أمران
الأول : السقوط بالتوبة ، وقد سبق أن قاطع الطريق إذا هرب ، يطلب ويقام ما يستوجبه من حد أو تعزير ، فلو تاب قبل القدرة عليه ، سقط ما يختص بقطع الطريق من العقوبات على المذهب ، وقيل : قولان ، وإن
تاب بعد القدرة ، لم يسقط على المذهب ، وقيل : قولان ، وهل تؤثر التوبة في إسقاط حد الزنى والسرقة والشرب في حق غير قاطع الطريق ، وفي حقه قبل القدرة وبعدها ؟ فيه قولان سبقا ، الأظهر : لا يسقط ، صححه الإمام
والبغوي وغيرهما ، وهو منسوب إلى الجديد لإطلاق آية الزنى ، وقياسا على الكفارة ، ورجح جماعة من العراقيين السقوط .
قلت : رجح
الرافعي في " المحرر " منع السقوط ، وهو أقوى . والله أعلم .
[ ص: 159 ] ثم ما يسقط بالتوبة في حق قاطع الطريق قبل القدرة يسقط بنفس التوبة ، وأما توبته بعد القدرة ، وتوبة الزاني والسارق فوجهان ، أحدهما : كذلك ، ويكون إظهار التوبة كإظهار الإسلام تحت السيف . والثاني : يشترط مع التوبة إصلاح العمل ليظهر صدقه فيها ، ونسب الإمام هذا الوجه إلى
القاضي حسين ، والأول إلى سائر الأصحاب . والذي ذكره جماعة من العراقيين
والبغوي nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني هو ما نسبه إلى القاضي ، واحتجوا بظاهر القرآن ، قال الله تعالى في قطاع الطريق : (
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم )
[ المائدة : 34 ] لم يذكر غير التوبة ، وقال في الزنى : (
فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما )
[ النساء : 16 ] ، وفي السرقة : (
فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح )
[ المائدة : 36 ] قال الإمام : معرفة إصلاح العمل بأن يمتحن سرا وعلنا ، فإن بدا الصلاح ، أسقطنا الحد عنه ، وإلا حكمنا بأنه لم يسقط ، قال الإمام : وهذا مشكل ؛ لأنه لا سبيل إلى حقيقته ، وإن خلي فكيف يعرف صلاحه ؟ ويشبه أن يقال تفريعا على هذا :
إذا أظهر التوبة ، امتنعنا من إقامة الحد ، فإن لم يظهر ما يخالف الصلاح ، فذاك ، وإن ظهر ، أقمنا عليه الحد ، وقد ذكرنا في باب حد الزنى في موضع القولين في
سقوط الحد بالتوبة طريقين ، أحدهما : تخصيصهما بمن
تاب قبل الرفع إلى القاضي ، فإن تاب بعد الرفع ، لم يسقط قطعا . والثاني : طردهما في الحالين ، وقد يرجع هذا الخلاف إلى أن التوبة بمجردها تسقط الحد ، أم يعتبر الإصلاح ؟ إن اعتبرناه اشترط مضي زمن يظهر به الصدق ، فلا تكفي التوبة بعد الرفع .
فرع
إذا
تاب قاطع الطريق قبل القدرة ، فإن كان قد قتل ، سقط عنه انحتام القتل ، فللولي أن يقتص ، وله العفو هذا هو المذهب ، وفيه وجه شاذ يسقط القصاص ، فلا يبقى عليه شيء أصلا ، وحكي وجه
[ ص: 160 ] أنه يسقط بالتوبة القصاص وحد القذف ؛ لأنهما يسقطان بالشبهة ، كحدود الله تعالى . ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان في القذف قولا قديما ، وليس بشيء ، وإن كان قد قتل وأخذ المال ، سقط الصلب وانحتام القتل ، وبقي القصاص وضمان المال ، وفي القصاص ما ذكرنا ، وإن كان قد أخذ المال ، سقط قطع الرجل ، وكذا قطع اليد على المذهب .