فصل
في مسائل منثورة من الباب وربما سبق بعضها فأعدناه ، أو صح
في فتاوى
البغوي أن الراعي كالمالك يضمن ما أتلفته الدابة في يده ، ولو كان عنده دابة وديعة ، فأرسلها فأتلفت ، لزمه الضمان ليلا كان أو نهارا ؛ لأن عليه حفظها ليلا ونهارا ، وفي هذا توقف ، ويشبه أن يقال : عليه حفظها بحسب ما يحفظ الملاك ، وأنه لو
استأجر رجلا لحفظ دوابه ، فأتلفت زرعا ليلا أو نهارا ، فعلى الأجير الضمان ؛ لأن عليه حفظها في الوقتين ، وذكر أنه رأى المسألة كذلك في طريقة
العراق .
قلت : ينبغي أن لا يضمن الأجير والمودع إذا أتلفت ليلا كان أو نهارا ؛ لأن على صاحب الزرع حفظه نهارا ، وتفريط الأجير إنما يؤثر في أن مالك الدابة يضمنه . والله أعلم .
وأنه لو دخلت دابة ملك رجل فأخرجها ، ضمن ، كما لو هبت الريح بثوب في حجره ، فألقاه ، ضمن ، بل عليه ردها إلى المالك ، فإن لم يجده سلمها إلى الحاكم إلا أن تكون مسيبة من جهة المالك ، كالإبل والبقر ، وعلى هذا فالذي سبق أنه يخرجها من زرعه إلا إذا كان زرعه محفوفا بزرع الغير يحمل على ما إذا كانت مسيبة من جهة المالك ، وأنها لو دخلت بهيمة أرضه ، فتلف زرعه ، دفعها كما يدفعها لو صالت ، فإن نحاها عن الزرع ، واندفع ضررها ، لم يجز إخراجها عن الملك ؛ لأن شغلها المكان وإن كان فيه ضرر بحيث لا يبيح إضاعة مال غيره ، ولو أن مالكها أدخلها في ملك صاحب الأرض بغير إذنه ، فأخرجها بعد غيبة
[ ص: 202 ] مالكها ، أو وضع إنسان متاعه في المفازة على دابة شخص بغير إذنه ، وغاب ، ألقاه صاحب الدابة ، فيحتمل وجهين في الضمان وعدمه ، وأنه لو كان يقطع شجرة في ملكه ، فسقطت على رجل أحد النظارة ، فانكسرت ، فإن عرف القاطع أنها إذا سقطت تصيب الناظر ، ولم يعرف الناظر ذلك ، ولا أعلمه القاطع ، ضمن القاطع ، سواء دخل ملكه بإذنه أو بغير إذنه ، وإن عرف الناظر ذلك ، أو عرفاه جميعا ، أو جهلاه ، فلا ضمان ، وأنه لو
دخلت بقرة ملكه ، فأخرجها من ثلمة ، فهلكت ، ضمن إن لم تكن الثلمة بحيث تخرج البقرة منها بسهولة ، وأنه لو دخلت دابة ملكه ، فرمحت صاحب الملك ، فمات ، فحكم الضمان كما لو أتلفت زرعه ، يفرق بين الليل والنهار ، وإذا أوجبنا الضمان ، فالدية على العاقلة ، كحفر البئر ، وأنه لو ركب صبي أو بالغ دابة رجل دون إذنه ، فغلبته الدابة وأتلفت شيئا ، فعلى الراكب الضمان بخلاف ما لو ركب المالك ، فغلبته ، حيث لا يضمن في قول ؛ لأنه غير متعد ، وأنه إذا أهاجت الرياح وأظلم النهار ، فتفرقت غنم الراعي ووقعت في زرع ، فأفسدته ، فالراعي مغلوب ، وفي وجوب الضمان عليه قولان ، أظهرهما : لا ضمان ، وكذا الحكم لو ند بعير من صاحبه ، فأتلف شيئا ، ولو نام وتفرقت الأغنام وأتلفت ، ضمن لتقصيره ، وأن الرجل لو كان على دابة ، فسقطت ميتة وأهلكت شيئا ، أو مات الراكب وسقط على شيء ، لم يضمن ، وكذا لو انتفخ ميت ، وتكسر بسبب انتفاخه قارورة ، بخلاف الطفل يسقط على قارورة ، يضمن ؛ لأن للطفل فعلا بخلاف الميت ، وأنه لو استقبل دابة فردها ، فأتلفت في انصرافها شيئا ، ضمنه الراد ، ولو نخسها ، فأسقطت الراكب ، أو رمحت منه إنسانا ، فأتلفته ، فعلى الناخس الضمان ، فإن نخس بإذن الراكب ، تعلق الضمان بالراكب ،
[ ص: 203 ] ولو حل قيدا عن دابة ، فخرجت وأتلفت شيئا ، لا يضمن ، كما لو أبطل الحرز فأخذ المال ، وأنه لو سقطت دابة في وهدة ، فنفر من سقطها بعير وهلك ، لا يجب ضمانه على صاحب الدابة ، وأنه إذا ابتاع بهيمة بثمن في ذمته ، فأتلفت على المشتري مالا ، ضمنه البائع ؛ لأنها في يده ، كما لو أتلفت المستعارة شيئا على المعير ، يضمنه المستعير ، وأنه لو ألقى نخاعته في الحمام ، فزلق بها حر أو عبد وانكسر ، لزمه الضمان إن ألقاها على الممر وبالله التوفيق .