[ ص: 204 ] كتاب السير
هي جمع سيرة ، وهي الطريقة ، والمقصود : الكلام في الجهاد وأحكامه وفيه ثلاثة أبواب : الأول : في وجوب الجهاد ، وبيان فروض الكفايات ، وفيه أطراف .
الأول : في مختصر يتعلق
بابتداء الأمر بالجهاد وغيره ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - : لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتبليغ والإنذار بلا قتال ، واتبعه قوم بعد قوم ، وفرضت الصلاة
بمكة ، ثم فرض الصوم بعد الهجرة بسنتين ،
واختلفوا في أن الزكاة فرضت بعد الصوم أم قبله ، ثم فرض الحج سنة ست ، وقيل : سنة خمس ، وكان القتال ممنوعا منه في أول الإسلام وأمروا بالصبر على أذى الكفار ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
المدينة ، وجبت الهجرة على من قدر ، فلما فتحت
مكة ، ارتفعت الهجرة منها إلى
المدينة ، ونفي وجوب الهجرة من دار الحرب على ما سنذكره - إن شاء الله تعالى - ثم أذن الله سبحانه وتعالى في القتال للمسلمين إذا ابتدأهم الكفار بقتال ، ثم أباح القتال ابتداء ، لكن في غير الأشهر الحرم ، ثم أمر به من غير تقييد بشرط ولا زمان ، ولم يعبد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنما قط قال صاحب " البيان " : كان متمسكا قبل النبوة بدين
إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : تعرض
الرافعي - رحمه الله - لهذه النبذ ، ولم يذكر فيها ما يليق به ولا بهذا الكتاب ، وأنا أشير إلى أصول مقاصدها بألفاظ وجيزة - إن
[ ص: 205 ] شاء الله تعالى - . اتفقوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
لم يعبد صنما قط ،
والأنبياء قبل النبوة معصومون من الكفر ، واختلفوا في العصمة من المعاصي ، وأما بعد النبوة فمعصومون من الكفر ، ومن كل ما يخل بالتبليغ ، وما يزري بالمروءة ، ومن الكبائر ، واختلفوا في الصغائر فجوزها الأكثرون ، ومنعها المحققون وقطعوا بالعصمة منها ، وتأولوا الظواهر الواردة فيها ، واختلفوا في أن نبينا - صلى الله عليه وسلم -
هل كان قبل النبوة يتعبد على دين نوح وإبراهيم أم موسى أم عيسى ، أم يتعبد لا ملتزما دين واحد من المذكورين ، والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشيء ، إذ ليس فيه دلالة على عقل ولا ثبت فيه نص ولا إجماع ، واختلف أصحابنا في
شرع من قبلنا ، هل هو شرع لنا إذا لم يرد شرعنا بنسخ ذلك الحكم ؟ والأصح أنه ليس بشرع لنا ، وقيل : بلى ، وقيل : شرع
إبراهيم فقط ؛
وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله أربعون سنة ، وقيل : أربعون ويوم ،
فأقام في مكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة ، وقيل : عشرا ، وقيل : خمس عشرة ، والصحيح الأول ، ثم هاجر إلى
المدينة ، فأقام بها عشرا بالإجماع ، ودخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول ، وتوفي - صلى الله عليه وسلم - ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ؛ ومنها ابتداء التاريخ ، ودفن ليلة الأربعاء ، وقيل : ليلة الثلاثاء ،
ومدة مرضه - صلى الله عليه وسلم - الذي توفي فيه اثنا عشر يوما ، وقيل : أربعة عشر ، وغسله
علي والعباس والفضل وقثم وأسامة وشقران - رضي الله عنهم - ،
وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ، وصلى عليه المسلمون أفرادا ، بلا إمام ، ودخل قبره
علي والعباس والفضل وقثم وشقران ، ودفن في اللحد وجعل فيه تسع لبنات ، ودفن في الموضع الذي توفي فيه ، وهو
[ ص: 206 ] حجرة
عائشة ، ثم دفن عنده
أبو بكر ، ثم
عمر - رضي الله عنهما - ولم يحج - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة إلا حجة الوداع سنة عشر ، وسميت حجة الوداع ؛ لأنه ودع الناس فيها - صلى الله عليه وسلم - ،
واعتمر - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر ، واختلفوا هل فرض الحج سنة ست أو خمس أو تسع ، وأول ما وجب الإنذار والدعاء إلى التوحيد ، ثم فرض الله تعالى من قيام الليل ما ذكره في أول سورة المزمل ، ثم نسخه بما في أواخرها ، ثم نسخه بإيجاب الصلوات الخمس ليلة الإسراء
بمكة بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب ، وكان - صلى الله عليه وسلم - مأمورا بالصلاة إلى
بيت المقدس مدة مقامه
بمكة وبعد الهجرة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر ، ثم أمره الله تعالى باستقبال
الكعبة .