فصل
في السلام فيه مسائل :
الأولى :
ابتداء السلام سنة مؤكدة ، فإن
سلم على واحد ، وجب عليه الرد ، وإن
سلم على جماعة ، فالرد في حقهم فرض كفاية ، فإن رد أحدهم ، سقط الحرج عن الباقين ، وإن رد الجميع ، كانوا مؤدين للفرض ، سواء ردوا معا أو متعاقبين ، فإن امتنعوا كلهم ، أثموا ، ولو رد غير من سلم عليه ، لم يسقط الفرض عمن سلم عليه ، ويكون ابتداء السلام أيضا سنة على الكفاية ، فإذا لقي جماعة آخرين ، فسلم أحد هؤلاء على هؤلاء ، كفى ذلك في إقامة أصل السنة .
الثانية : لا بد من
ابتداء السلام ورده من رفع الصوت بقدر ما يحصل به الإسماع ، ويجب أن يكون الرد متصلا بالسلام الاتصال
[ ص: 227 ] المشترط بين الإيجاب والقبول في العقود . قال
المتولي : لو ناداه من وراء حائط أو ستر ، وقال : السلام عليك يا فلان ، أو كتب كتابا وسلم عليه فيه ، أو أرسل رسولا فقال : سلم على فلان ، فبلغه الكتاب والرسالة ، لزمه الرد ، ولو سلم على أصم ، أتى باللفظ لقدرته عليه ، ويشير باليد ليحصل الإفهام ، فإن لم يضم الإشارة إلى اللفظ ، لم يستحق الجواب ، وكذا في جواب سلام الأصم ، يجب الجمع بين اللفظ والإشارة ،
وسلام الأخرس بالإشارة معتد به ، وكذا رده .
الثالثة :
صيغته ، السلام عليكم ، أو سلام عليكم ، قال الإمام : وكذا لو قال : عليكم السلام ، وقال
المتولي : عليكم السلام ليس بتسليم .
قلت : الصحيح أنه تسليم يجب فيه الرد ، كما قال الإمام ، وممن قال أيضا إنه تسليم
nindex.php?page=showalam&ids=15466أبو الحسن الواحدي من أصحابنا ، ولكن يكره الابتداء به ، نص على كراهته
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في " الإحياء " ويدل عليه الحديث الصحيح في سنن
أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
أبي جري بضم الجيم تصغير جرو - رضي الله عنه - ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350793قلت : عليك السلام يا رسول الله ، قال : " لا تقل : عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الموتى " . والله أعلم .
ويستحب
مراعاة صيغة الجمع ، وإن كان المسلم عليه واحدا خطابا ولملائكته ، ولو قال : السلام عليك وترك صيغة الجمع ، حصل أصل السنة ، وصيغة الجواب ، وعليكم السلام ، أو وعليك السلام للواحد ، فلو ترك حرف العطف فقال : عليكم السلام ، قال الإمام : يكفي ذلك ، ويكون جوابا ، والأفضل أن يدخل الواو ، وقال
المتولي : ليس بجواب .
[ ص: 228 ] قلت : الصحيح المنصوص وقول الأكثرين أنه جواب . والله أعلم .
ولو قال المجيب : وعليكم ، قال الإمام : الرأي عندنا أنه لا يكون جوابا ، فإنه ليس فيه تعرض للسلام ، ومنهم من جعله جوابا للعطف . ولو قال : عليكم بغير واو ، فليس بجواب قطعا ، وكمال السلام أن يقول : السلام عليكم ورحمة الله ، وكمال الرد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
قلت : قد قال
الماوردي وغيره : إن الأفضل في الابتداء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وفيه حديث حسن ، ولو قال المجيب : السلام عليكم ، أو سلام عليكم ، كان جوابا ، والألف واللام أفضل . والله أعلم .
ولو
تلاقى رجلان فسلم كل واحد على صاحبه ، وجب على كل واحد منهما جواب الآخر ، ولا يحصل الجواب بالسلام ، وإن ترتب السلامان ، قاله
المتولي .
قلت : قد قاله أيضا شيخه
القاضي حسين ، لكن أنكره
الشاشي فقال : هذا يصلح للجواب ، فإن كان أحدهما بعد الآخر كان جوابا ، وإن كانا دفعة ، لم يكن جوابا ، هذا كلام
الشاشي ، وتفصيله حسن وينبغي أن يجزم به . والله أعلم .
الرابعة : لو
سلم عليه جماعة ، فقال : وعليكم السلام ، وقصد الرد عليهم جميعا ، جاز ، وسقط الفرض في حق الجميع ، كما لو صلى على جنائز صلاة واحدة .
الخامسة :
السنة أن يسلم الراكب على الماشي ،
والماشي على [ ص: 229 ] الجالس ،
والطائفة القليلة على الكثيرة ، ولا يكره ابتداء الماشي والجالس .
قلت : وكذا لا يكره
ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل ، وإن كان خلاف السنة ، والسنة
أن يسلم الصغير على الكبير ، ثم هذا الأدب فيما إذا تلاقيا ، أو تلاقوا في الطريق ، فأما إذا ورد على قاعد ، أو قعود ، فإن الوارد يبدأ ، سواء كان صغيرا أو كبيرا ، قليلا أو كثيرا . والله أعلم .
السادسة : يكره أن
يخص طائفة من الجمع بالسلام .
السابعة : لا يلزم الصبي جواب السلام ؛ لأنه ليس مكلفا ، ولو سلم على جماعة فيهم صبي ، لم يسقط الفرض عنهم بجوابه .
قلت : هذا هو الأصح وبه قطع القاضي
والمتولي ، وقال
الشاشي : يسقط ، كما يصح أذانه للرجال ويتأدى به الشعار ، وهذا كالخلاف في سقوط الفرض بصلاته على الميت . والله أعلم .
ولو
سلم صبي على بالغ ، ففي وجوب الرد عليه وجهان بناء على صحة إسلامه .
قلت : كذا ذكره القاضي
والمتولي ، والصحيح وجوب الرد ، قال
الشاشي : هذا البناء فاسد ، وهو كما قال ، واعلم أن
السلام على الصبيان سنة . والله أعلم .
الثامنة :
سلام النساء على النساء ، كسلام الرجال على الرجال ، ولو
سلم رجل على امرأة أو عكسه ، فإن كان بينهما زوجية
[ ص: 230 ] أو محرمية ، جاز ووجب الرد ، وإلا فلا يجب إلا
أن تكون عجوزا خارجة عن مظنة الفتنة .
قلت : وجاريته كزوجته ، وقوله : جاز ، ناقص ، والصواب أنه سنة كسلام الرجل على الرجل ، قاله أصحابنا ، قال
المتولي : ولو
سلم على شابة ، لم يجز لها الرد ،
ولو سلمت ، كره له الرد عليها ، ولو
كان النساء جمعا ، فسلم عليهن الرجل ، جاز ، للحديث الصحيح في ذلك . والله أعلم .
التاسعة : في
السلام بالعجمية ثلاثة أوجه ، ثالثها : إن قدر على العربية ، لم يجزئه .
قلت : الصواب صحة سلامه بالعجمية إن كان المخاطب يفهمها ، سواء قدر على العربية أم لا ، ويجب الرد ؛ لأنه يسمى تحية وسلاما . والله أعلم .
ومن لا يستقيم نطقه بالسلام ، يسلم كيف أمكنه .
العاشرة : في استحباب
السلام على الفساق ، ووجوب الرد على المجنون والسكران إذا سلما ، وجهان ، ولا يجوز
ابتداء أهل الذمة بالسلام ، فلو سلم على من لم يعرفه ، فبان ذميا ، استحب أن يسترد سلامه ، بأن يقول : استرجعت سلامي ، تحقيرا له ، وله
أن يحيي الذمي بغير السلام ، بأن يقول : هداك الله ، أو أنعم الله صباحك ،
ولو سلم عليه ذمي ، لم يزد في الرد على قوله : وعليك .
قلت : ما ذكره من استحباب
استرداد السلام من الذمي ، ذكره
المتولي ، ونقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - ، وقوله : أن يحيي الذمي بغير السلام ، ذكره
المتولي ، وهذا إذا احتاج إليه لعذر ، فأما من غير حاجة ، فالاختيار أن لا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلا ، فإن ذلك بسط
[ ص: 231 ] له وإيناس وملاطفة وإظهار ود ، وقد قال الله تعالى : (
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) وأما
المبتدع ، فالمختار أنه لا يبدأ بسلام إلا لعذر ، أو خوفا من مفسدة ، ولو
مر على جماعة فيهم مسلمون ، أو مسلم وكفار ، فالسنة أن يسلم ويقصد المسلمين أو المسلم ، ولو كتب كتابا إلى مشرك ، وكتب فيه سلاما ، فالسنة أن يكتب كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350794كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل : " سلام على من اتبع الهدى " . والله أعلم .
الحادية عشرة : قال
المتولي :
ما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة القوم دعاء وليس بتحية ، فيستحب الجواب عنه ، ولا يجب .
قلت : هذا الذي قاله
المتولي قاله شيخه
القاضي حسين ، وقد أنكره
الشاشي ، فقال : هذا فاسد ؛ لأن السلام سنة عند الانصراف ، كما هو سنة عند القدوم ، واستدل بالحديث الصحيح في سنن
أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350795إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة " قال
الترمذي : حديث حسن . والله أعلم .
الثانية عشرة : قال
المتولي : يستحب
لمن دخل دار نفسه أن يسلم على أهله ، ولمن
دخل مسجدا أو بيتا ليس فيه أحد أن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
قلت : يستحب أن يسمي الله تعالى قبل دخوله ، ويدعو ، ثم يسلم . والله أعلم .
الثالثة عشرة :
من سلم في حال لا يستحب فيها السلام ، لم
[ ص: 232 ] يستحق جوابا ، فمن تلك الأحوال ، أنه
لا يسلم على من يقضي حاجته ، ولا على
من في الحمام ، قال الشيخ
أبو محمد والمتولي : لا
يسلم على مشتغل بالأكل ، ورأى الإمام حمل ذلك على ما إذا كانت اللقمة في فمه وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع ، ويعسر الجواب في الحال ، أما إذا سلم بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى ، فلا يتوجه المنع ، وأما
المصلي ، فأطلق
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي أنه لا يسلم عليه ، ولم يمنعه
المتولي لكن قال : إذا سلم عليه لم يرد عليه حتى يفرغ ، ويجوز أن يجيب في الصلاة بالإشارة ، نص عليه في القديم ، وقيل : يجب ، وقيل : يجب الرد باللفظ بعد الفراغ ، والصحيح أنه لا يجب الرد مطلقا ، فإن قال في الصلاة : عليكم السلام ، بطلت ، وإن قال : عليهم السلام ، لم تبطل وقد سبق هذا في كتاب الصلاة ، ولا منع من السلام على من هو في مساومة أو معاملة .