[ ص: 281 ] الرابعة :
شرط الأمان أن لا يزيد على أربعة أشهر ، وفي قول : يجوز ما لم يبلغ سنة ، فلو زاد على الجائز ، بطل الزائد ، ولا يبطل في الباقي على الأصح تخريجا من تفريق الصفقة ، قال
الروياني : وإذا أطلق حمل على أربعة أشهر ، ويبلغ بعدها المأمن ، ويشترط أن لا يتضرر به المسلمون ، فلو أمن جاسوسا ، أو طليعة لم ينعقد الأمان ، قال الإمام : وينبغي أن لا يستحق تبليغ المأمن ، لأن دخول مثله خيانة ، فحقه أن يغتال ، ولو
أمن آحادا على مدارج الغزاة ، وعسر بسببه مسير العسكر واحتاجوا إلى نقل الزاد ، فهو مردود للضرر ، ولا يشترط لانعقاد الأمان ظهور المصلحة ، بل يكفي عدم المضرة . الخامسة : إذا انعقد الأمان ، صار المؤمن معصوما عن القتل والسبي ، فلو قتل ، قال الإمام : الوجه عندنا أنه يضمن بما يضمن به الذمي ، وهو لازم من جهة المسلمين ، فليس للإمام نبذه ، فإن استشعر منه خيانة ، نبذه ، لأن المهادنة تنبذ بذلك ، فأمان الآحاد أولى وهو جائز من جهة الكافر ينبذه متى شاء ، ولا يتعدى الأمان إلى ما خلفه بدار الحرب من أهل ومال ، وأما ما معه منهما ، فإن تعرض له ، اتبع الشرط ، وإلا فلا أمان فيه على الأصح ، لقصور اللفظ .
السادسة : الأسير في أيدي الكفار إذا أمن بعضهم مكرها ، لم يصح ، وإن أمنه مختارا ، لم يصح أيضا على الأصح ، لأنه مقهور في أيديهم ، وقال الإمام : إن أمن من هو في أسره ، لم يصح ، لأنه كالمكره معه ، وإن أمن غيره ، ففيه الوجهان ، فإن أبطلنا ، فهل يصح ويلزم في حق الأمن ؟ وجهان ، أصحهما : المنع .
[ ص: 282 ] فرع
المسلم إن كان ضعيفا في دار الكفر لا يقدر على إظهار الدين ، حرم عليه الإقامة هناك ، وتجب عليه الهجرة إلى دار الإسلام ، فإن لم يقدر على الهجرة ، فهو معذور إلى أن يقدر ، فإن فتح البلد قبل أن يهاجر ، سقط عنه الهجرة ، وإن كان يقدر على إظهار الدين ، لكونه مطاعا في قومه ، أو لأن له هناك عشيرة يحمونه ، ولم يخف فتنة في دينه ، لم تجب الهجرة ، لكن تستحب ، لئلا يكثر سوادهم ، أو يميل إليهم ، أو يكيدوا له ، وقيل : تجب الهجرة ، حكاه الإمام ، والصحيح الأول .
قلت : قال صاحب " الحاوي " : فإن كان يرجو ظهور الإسلام هناك بمقامه ، فالأفضل أن يقيم ، قال : وإن قدر على الامتناع في دار الحرب والاعتزال ، وجب عليه المقام بها ، لأن موضعه دار إسلام ، فلو هاجر ، لصار دار حرب ، فيحرم ذلك ، ثم إن قدر على قتال الكفار ودعائهم إلى الإسلام ، لزمه ، وإلا فلا ، والله أعلم . فرع
الأسير المقهور متى قدر على الهرب ، لزمه ، ولو أطلقوا أسيرا بلا شرط ، فله أن يغتالهم قتلا وسبيا وأخذا للمال ، وإن أطلقوه على أنه في أمان منهم وهم في أمان منه ، حرم عليه اغتيالهم ، وإن أطلقوه على أنه في أمان منهم ، ولم يستأمنوه ، فالصحيح المنصوص أن الحكم كذلك ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة : أن له اغتيالهم ، ولو تبعه قوم بعد خروجه ، فله قصدهم وقتلهم في الدفع بكل حال ، ولو أطلقوه وشرطوا عليه أن لا يخرج من دارهم ، لزمه الخروج وحرم الوفاء بالشرط ، فإن حلفوه أن لا يخرج ، فإن حلف مكرها ، خرج ولا كفارة ، لأنه لم تنعقد
[ ص: 283 ] يمينه ، ولا طلاق عليه إن حلفوه بالطلاق ، وإن حلف ابتداء بلا تحليف ليتوثقوا به ولا يتهموه بالخروج ، نظر إن حلف بعدما أطلقوه ، لزمه الكفارة بالخروج ، وإن حلف وهو محبوس أن لا يخرج إذا أطلق ، فالأصح أنه ليس يمين إكراه ، قال
البغوي : ولو قالوا : لا نطلقك حتى تحلف أن لا تخرج ، فحلف ، فأطلقوه ، لم يلزمه كفارة بالخروج ، ولو حلفوه بالطلاق ، لم يقع ، كما لو أخذ اللصوص رجلا وقالوا : لا نتركك حتى تحلف أنك لا تخبر بمكاننا ، فحلف ، ثم أخبر بمكانهم ، لا يلزمه الكفارة ، لأنه يمين إكراه ، وليكن هذا تفريعا على أن التخويف بالحبس إكراه .
قلت : ليس هو كالتخويف بالحبس ، فإنه يلزمه هنا الهجرة والتوصل إليها بما أمكنه ، والله أعلم .
وعلى الأحوال لا يغتالهم ، لأنهم أمنوه ، ولو كان عندهم عين مال لمسلم ، فأخذها عند خروجه ليردها على مالكها ، جاز ، فإن شرطوا الأمان في ذلك المال ، فهل يصير مضمونا عليه ؟ فيه طريقان ، أحدهما : أنه على القولين فيما إذا أخذ المغصوب من الغاصب ليرده على مالكه ، وعن
القفال : القطع بالمنع ، لأنه لم يكن مضمونا على الحربي بخلاف المغصوب . ولو شرطوا عليه أن يعود إليهم بعد الخروج إلى دار الإسلام ، حرم عليه العود ، ولو شرطوا أن يعود ، أو يبعث إليهم مالا فداء ، فالعود حرام وأما المال ، فإن شارطهم عليه مكرها ، فهو لغو ، وإن صالحهم مختارا ، لم يجب بعثه ، لأنه التزام بغير حق ، لكن يستحب ، وفي قول : يجب ، لئلا يمتنعوا من إطلاق
[ ص: 284 ] الأسارى ، وفي قول قديم : يجب بعث المال ، أو العود إليهم ، والمشهور الأول ، وبه قطع الجمهور ، قال صاحب البيان : والذي يقتضي المذهب أن المبعوث إليهم استحبابا أو وجوبا لا يملكونه ، لأنه مأخوذ بغير حق ، ولو اشترى منهم الأسير شيئا ليبعث إليهم ثمنه ، أو اقترض ، فإن كان مختارا ، لزمه الوفاء ، وإن كان مكرها ، فثلاث طرق ، المذهب والمنصوص : أن العقد باطل ، ويجب رد العين ، كما لو أكره مسلم مسلما على الشراء ، والثاني : الصحة ويلزم الثمن ، لأن المعاملة مع الكفار يتساهل فيها ، والثالث : قولان ، الجديد : البطلان ، والقديم : أنه مخير بين رد العين ورد الثمن ، ولو لم يجر لفظ بيع ، بل قالوا : خذ هذا ، وابعث كذا من المال ، فقال : نعم ، هو كالشراء مكرها ، ولو أعطوه شيئا ليبيعه في دار الإسلام ، ويبعث إليهم ثمنه ، فهو وكيل يجب عليه ما على الوكيل .