الطرف الثاني في
أحكام عقد الذمة
فإذا صح عقدها ، لزمنا شيء ، ولزمهم شيء ، أما ما يلزمنا فأمران ، أحدهما : الكف عنهم ، بأن لا يتعرض لهم نفسا ومالا ، ويضمنهما المتلف ، ولا يتعرض لكنائسهم على تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى ، ولا تتلف خمورهم وخنازيرهم إلا إذا أظهروها ، فمن أراق أو قتل من غير إظهار ، عصى ، ولكن لا ضمان ، ولو
باع ذمي لمسلم خمرا ، أريقت على المسلم ولا ثمن للذمي ، وإن غصبها من ذمي ، وجب ردها على الصحيح ، وعليه مؤنة الرد ، قال
البغوي : ولو كان لمسلم على ذمي دين ، فقضاه ، وجب القبول إذا لم يعلم أن المؤدى ثمن محرم ، فإن علم ، بأن باع الخمر بين يديه وأخذ ثمنها ، فهل يجبر على قبوله ؟ وجهان ،
[ ص: 322 ] أصحهما : لا يجبر ، وهو المنصوص ، بل لا يجوز القبول ، ولو
كان لذمي على ذمي دين ، ورهن به خمرا ، لم يتعرض لهما ، كما لو باعه الخمر ، فإن وضعاها عند مسلم ، لم يكن له إمساكها ، ولو كان لمسلم على ذمي دين ، فرهن به خمرا ، لم يجز .
الأمر الثاني : يلزم الإمام
دفع من قصدهم من أهل الحرب إن كانوا في دار الإسلام ، فإن
كانوا مستوطنين دار الحرب وبذلوا الجزية ، لم يجب الذب عنهم ، وإن كانوا منفردين ببلدة في جوار الدار ، وجب الذب على الأصح ، هذا إذا جرى العقد مطلقا ، فإن جرى بشرط أن يذب أهل الحرب ، وجب الوفاء بالملتزم وفيه احتمال للإمام ، وإن جرى بشرط أن لا يذب عنهم ، فإن كانوا مع المسلمين ، أو في موضع إذا قصدهم أهل الحرب كان مرورهم على المسلمين ، فسد الشرط ، وكذا العقد على الصحيح ، وإن كانوا منفردين ولا يمر أهل الحرب بهم ، صح الشرط ، وحكى الإمام وجها أن
شرط ترك الذب فاسد مطلقا ، والصحيح الأول ، وهل يكره ؟ فيه نصان حملوهما على حالين ، فإن طلب الإمام الشرط ، كره ، لأن فيه إظهار ضعف المسلمين ، وإن طلب أهل الذمة ، فلا ، ويجب دفع المسلمين وأهل الذمة عنهم ، كما يجب دفع أهل الحرب ، فإن لم يدفع عنهم حتى مضى حول ، لم تجب جزيته ، كما لا تجب الأجرة إذا لم يوجد التمكن من الانتفاع ، ولو
أغار أهل الحرب على أهل الذمة ، وأخذوا أموالهم ، ثم ظفر الإمام بهم ، فاسترجعها ، لزمه ردها على أهل الذمة ، فإن أتلفوا ، فلا ضمان عليهم ، كما لو أتلفوا مال المسلمين ، ومن أغار من بيننا وبينه هدنة وأتلف أموال أهل الذمة ، ضمن ، فإن نقضوا العهد وامتنعوا ، ثم أغاروا وأتلفوا لهم مالا أو نفسا ، ففي الضمان قولان ، كأهل البغي .