فصل
إذا
عقد الهدنة بشرط أن يردوا من جاءهم منا مرتدا ، ويسلموه إلينا ، لزمهم الوفاء ، فإن امتنعوا ، كانوا ناقضين للعهد ، فإن
عقدت بشرط أن لا يردوا من جاءهم ، ففي جوازه قولان ، أظهرهما وأشهرهما : الجواز ، والثاني : المنع ، بل لا بد من استرداده لإقامة حكم المرتدين عليه ، وقال
الماوردي : الصحيح عندي صحة الشرط في الرجال دون النساء ، لأن الأبضاع يحتاط لها ، ويحرم على الكافر من المرتدة ما يحرم من المسلمة ، وربما حاول تنزيل القولين على الصنفين ، فإن أبطلنا الشرط وأوجبنا الرد ، فالذي عليهم التمكين والتخلية دون التسليم ، وكذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقا من غير تعرض لرد المرتد ، وحيث لا يلزمهم التمكين والتسليم ، يلزمهم مهر من ارتد من نساء المسلمين ،
[ ص: 348 ] وقيمة من ارتد من رقيقهم ، ولا يلزمهم غرم من ارتد من الرجال الأحرار ، ولو عاد المرتدون إلينا ، لم نرد المهور ، ونرد القيم ، لأن الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم ، والنساء لا يصرن زوجات ، وحيث يجب التمكين دون التسليم تمكنوا ، فلا غرم عليهم ، سواء وصلنا إلى المطلوبين أم لا ، وحيث يجب التسليم يطالبهم به عند الإمكان ، فإن فات التسليم بالموت ، لزمهم الغرم ، وإن هربوا ، نظر إن هربوا قبل القدرة على التسليم ، فلا غرم ، وبعدها يجب الغرم ، وإذا قلنا : لا تسترد المرتدة ، غرم الإمام لزوجها ما أنفق من صداقها ، لأنا بعقد الهدنة حلنا بينه وبينها ، ولولاه ، لقاتلناهم حتى يردوها ، وإن قلنا : تسترد ، فتعذر ذلك فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : نغرم له أيضا ، ويشبه أن يكون الغرم لزوج المرتدة مفرعا على الغرم لزوج المسلمة المهاجرة ، ولم أره مصرحا به ، وقد يشعر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي بخلافه ، ثم لو
جاءتهم امرأة منا مرتدة ، وهاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة ، وطلبها زوجها ، فلا نغرم له المهر ، بل نقول : هذه بهذه ، ويجعل المهرين قصاصا ، ويدفع الإمام المهر إلى زوج المرتدة ، ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة ، هذا إن تساوى القدران ، فإن كان مهر المهاجرة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المرتدة منه إلى زوجها والباقي إلى المهاجرة ، وإن كان مهر المرتدة أكثر ، صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها ، والباقي إلى زوج المرتدة ، وبهذه المقاصة فسر مفسرون قوله تعالى : (
وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ) .
[ ص: 349 ] فصل
على الإمام منع من يقصد أهل الهدنة من المسلمين والذميين ، وليس عليه منع الحربيين ، ولا منع بعضهم من بعض لأن الهدنة لمجرد الكف لا للحفظ بخلاف الذمة . ولو
أتلف مسلم أو ذمي على مهادن نفسا أو مالا ، ضمنه ، وإن قذفه عزر ، وعليهم بإتلاف مال المسلم الضمان ، وبقتله القصاص ، وبالقذف الحد . ولو
أغار أهل الحرب عليهم ، ثم ظفر الإمام بأهل الحرب ، فاستنقذ منهم أموال أهل الهدنة ، لزمه ردها إليهم ، وفي إقامة حد السرقة ، والزنى على المعاهد ، وانتقاض عهده بالسرقة خلاف سبق في آخر الباب الأول من كتاب السرقة ، وبالله التوفيق .
كتاب الصيد والذبائح والضحايا والعقيقة والأطعمة . هذه الكتب تقدمت في آخر العبادات .