فصل
يحرم على القاضي
الرشوة ، ثم إن كان له رزق في بيت المال ، لم يجز أخذ عوض من الخصوم ، فإن لم يكن ، فقال الشيخ
أبو حامد :
[ ص: 143 ] لو
قال للخصمين : لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقا ، جاز ، ومثله عن القاضي
أبي الطيب وغيره ، وهذا نحو ما نقل
الهروي أن
القاضي إذا لم يكن له رزق من بيت المال وهو محتاج ، ولم يتعين عليه القضاء ، فله أن يأخذ من الخصم أجرة مثل عمله ، وإن تعين ، قال أصحابنا : لا يجوز الأخذ وجوزه صاحب " التقريب " وأما
باذل الرشوة ، فإن بذلها ليحكم له بغير الحق ، [ أو يترك الحكم بحق ] حرم عليه البذل ، وإن كان ليصل إلى حقه ، فلا يحرم كفداء الأسير .
قلت : وأما
المتوسط بين المرتشي والراشي ، فله حكم موكله منهما ، فإن وكلا ، حرم عليه ؛ لأنه وكيل للآخذ وهو محرم عليه ، والله أعلم .
وأما
الهدية فالأولى أن يسد بابها ولا يقبلها ، ثم إن كان للمهدي خصومة في الحال ، حرم قبول هديته في محل ولايته ، وهديته في غير محل ولايته ، كهدية من عادته أن يهدى [ له ] قبل الولاية لقرابة أو صداقة ولا يحرم قبولها على الصحيح ، وحكى
ابن الصباغ في تحريمها وجها وهو [ مقتضى ] إطلاق
الماوردي ، وإن لم يكن له عادة بالهدية قبل الولاية ، فإن زاد
المهدي على القدر المعهود ، صارت هديته كهدية من لم يعهد منه الهدية ، وحيث حكمنا بأن القبول ليس بحرام ، فله الأخذ والتملك ، والأولى أن يثبت عليها أو يضعها في بيت المال ، وحيث قلنا بالتحريم ، فقبلها ، لم يملكها على الأصح ، فعلى هذا لو أخذها ، قيل : يضعها في بيت المال ، والصحيح أنه يردها على مالكها ، فإن لم يعرفه ، جعلها في بيت المال .
[ ص: 144 ] فرع
قد ذكرنا أن
الرشوة حرام مطلقا ، والهدية جائزة في بعض الأحوال ، فيطلب الفرق بين حقيقتيهما مع أن الباذل راض فيهما ، والفرق من وجهين ، أحدهما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج : أن الرشوة هي التي يشرط على قابلها الحكم بغير الحق ، أو الامتناع عن الحكم بحق ، والهدية : هي العطية المطلقة .
والثاني قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في " الإحياء " : المال إما يبذل لغرض آجل فهو قربة وصدقة ، وإما لعاجل ، وهو إما مال ، فهو هبة بشرط ثواب ، أو لتوقع ثواب ، وإما عمل ، فإن كان عملا محرما ، أو واجبا متعينا ، فهو رشوة ، وإن كان مباحا فإجارة أو جعالة ، وإما للتقرب والتودد إلى المبذول له ، فإن كان بمجرد نفسه ، فهدية ، وإن كان ليتوسل بجاهه إلى أغراض ومقاصد ، فإن كان جاهه بالعلم أو النسب ، فهو هدية ، وإن كان بالقضاء والعمل ، فهو رشوة .