صفحة جزء
[ الأدب ] العاشر : فيما ينقض من قضائه وقضاء غيره ، وذلك يتعلق بقواعد ، إحداها الأصول التي يقضي بها القاضي ، ويفتي بها المفتي كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإجماع ، والقياس ، وقد يقتصر على الكتاب والسنة ، ويقال : الإجالماع يصدر عن أحدهما ، والقياس يرد إلى أحدهما .

وأما قول الواحد من الصحابة - رضي الله عنهم - . فإن لم ينتشر فيهم ، فقولان : القديم أنه حجة ، والجديد [ ص: 147 ] ليس بحجة ، ثم قال أبو بكر الصيرفي والقفال القولان إذا لم يكن معه قياس ، فإن كان معه قياس ولو ضعيف احتج به قطعا ، ورجح على القياس القوي ، وقال الأكثرون في الجميع القولان ، فإن قلنا بالقديم ، وجب الأخذ به ، وترك القياس ، وفي تخصيص العموم به وجهان ، وإن قلنا بالجديد ، فهو كقول آحاد المجتهدين ، لكن لو تعارض قياسان أحدهما وافق قول صحابي ، قال الغزالي : قد تميل نفس المجتهد إلى الموافق ويرجح عنده .

قلت : قد صرح الشيخ أبو إسحاق في " اللمع " وغيره من الأصحاب بالجزم بالأخذ بالموافق ، والله أعلم .

وإن انتشر قول الصحابي ، فله ثلاثة أحوال ، أحدها : أن يخالفه غيره ، فعلى الجديد هو كاختلاف سائر المجتهدين ، وعلى القديم هما حجتان تعارضتا ، فإن اختص أحد الطرفين بكثرة عدد ، أو بموافقة أحد الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - ترجح ، نص عليه في القديم في غير علي وألحق الجمهور بهم عليا ، ومنهم من لم يلحقه ؛ لأن الثلاثة كانوا في دار الهجرة والصحابة متوافرون ، وكانوا في حكمهم وفتواهم يتشاورون ، وعلي - رضي الله عنه - انتقل إلى الكوفة ، وتفرقت الصحابة .

وإن لم يوجد واحد من الأمرين في واحد من الطرفين ، أو وجد في أحدهما أحدهما ، وفي الآخر الآخر ، فهما سواء .

ولو كان في أحدهما أبو بكر أو عمر ، وفي الآخر عثمان أو علي - رضي الله عنهم - فهل يستويان ، أم يرجح طرف الشيخين ؟ وجهان . ويشبه أن يجيء مثلهما في تعارض الشيخين ، فيستويان في وجه ، ويقدم طرف أبي بكر - رضي الله عنه - في وجه .

الحال الثاني : أن يوافقه سائر الصحابة - رضي الله عنهم - ويقولوا بما قاله ، فهذا إجماع منهم على الحكم ، ولا يشترط فيه انقراض عصر [ ص: 148 ] المجمعين على الأصح ، ولا يتمكن أحدهم من الرجوع ، بل يكون قوله الأول مع قول سائر المجتمعين حجة عليهم ، كما هو حجة على غيرهم .

الحال الثالث : أن يسكتوا ، فلا يصرحوا بموافقته ولا مخالفته فاختار الغزالي في " المستصفى " أنه ليس بحجة . والصحيح الذي عليه جماهير الأصحاب أنه حجة ، لأنهم لو خالفوه ، لاعترضوا عليه ، لكن هل هو إجماع أم حجة غير إجماع ؟ وجهان ، قال الروياني : هذا إذا لم يظهر أمارات الرضى ممن سكت ، فإن ظهرت فإجماع بلا خلاف ، قالوا : والأصح هنا اشتراط انقراض العصر في كونه حجة أو إجماعا ، وهل يفرق في كونه حجة وإجماعا بين أن يكون ذلك القول مجرد فتوى ، أو حكما من إمام أو قاض ؟ فيه طرق قال ابن أبي هريرة : فإن كان فتوى ، فحجة ، وإن كان حكما ، فلا ؛ لأن الاعتراض على الإمام ليس من الأدب ، ولعل السكوت لذلك . وقال أبو إسحاق عكسه ؛ لأن الحكم يصدر عن مشاورة ومراجعة ، وقال الأكثرون : لا فرق ، وكانوا يعترضون على الإمام كغيره ، فقد خالفوا أبا بكر - رضي الله عنه - في الحد ، وعمر - رضي الله عنه - في المشركة .

ومختصر هذا الاختلاف أوجه ، الصحيح أنه حجة ، والثاني حجة وإجماع ، والثالث ليس بحجة ، والرابع من المفتي حجة ، ومن الحاكم لا ، الخامس عكسه هذا إذا نقل السكوت ، أما إذا لم ينقل قول ولا سكوت ، فيجوز أن لا يلحق بهذا ، ويجوز أن يستدل به على السكوت .

قلت : المختار أن عدم النقل كنقل السكوت ؛ لأنه الأصل والظاهر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية