فصل
وأما
تحمل الشهادة ، ففرض كفاية في عقد النكاح ، لتوقف الانعقاد عليه ، فإن امتنع الجميع منه ، أثموا . ولو طلب من اثنين التحمل ، وهناك غيرهما ، لم يتعينا بلا خلاف ، وأما في التصرفات المالية والأقارير ، فهل التحمل فرض كفاية أم مستحب ؟ وجهان الصحيح الأول ، وبه قطع العراقيون للحاجة إليها ، ومنهم من يقتضي كلامه طرد الخلاف في النكاح أيضا وليس بشيء وإذا قلنا بالافتراض ، فذلك إذا حضر المحمل ، أما إذا دعي للتحمل فقيل : تجب الإجابة أيضا ، والأصح الذي قاله القاضي
أبو حامد ،
والبغوي ،
وأبو الفرج ، أنه لا يجب إلا أن يكون المحمل معذورا بمرض أو حبس ، أو كانت امرأة مخدرة إذا
[ ص: 275 ] أثبتنا للتخدير أثرا وكذا إذا دعاه القاضي ليشهده على أمر ثبت عنده لزمه الإجابة .
فرع
إن
تطوع الشاهد بتحمل الشهادة وأدائها ، فقد أحسن ، وإن طمع في مال ، فهو إما رزق من بيت المال ، وإما من مال المشهود له ، فأما الرزق من بيت المال ، فقد ذكر الشيخ
أبو حامد ،
وابن الصباغ وآخرون أن الشاهد ليس له أخذ الرزق من بيت المال لتحمل الشهادة ، وقيل : له ذلك ، فإن قلنا بالأول ، فرزقه الإمام من ماله ، أو واحد من الرعية ، فالحكم كما ذكرنا في القاضي ، وأما مال المشهود له ، فليس للشاهد أخذ أجرة على أداء الشهادة ، ووجهوه بأنه فرض عليه ، فلا يستحق عليه عوضا ، ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله .
وأما إتيان القاضي والحضور عنده ، فإن كان معه في البلد فلا يأخذ شيئا ، وإن كان نائبه من مسافة العدوى ، فما فوقها ، فله طلب نفقة المركوب . قال
البغوي : وكذا نفقة الطريق ، وحكى وجهين فيما لو أعطاه شيئا ليصرفه في نفقة الطريق ، وأجرة المركوب هل له أن يصرفه إلى غرض آخر ، ويمشي ، وهما كالوجهين فيما لو أعطى فقيرا شيئا وقال : اشتر لك به ثوبا ، هل له أن يصرفه إلى غير الثوب ، والأصح الجواز فيهما ، فهذا ما قيل : إن الشاهد يأخذه من المشهود له ولم يتعرض أكثرهم لما سوى هذا ، لكن في تعليق
الشيخ أبي حامد أن الشاهد لو كان فقيرا يكسب قوته يوما يوما وكان في صرف الزمان إلى أداء الشهادة ما يشغله عن كسبه ، لم يلزمه الأداء إلا إذا بذل له المشهود ( له ) قدر كسبه في ذلك الوقت ، هذا حكم الأداء . فلو طلب الشاهد أجرة لتحمل الشهادة ، فإن لم يتعين عليه ، فله ذلك ، وكذا إن تعين على الأصح ، قال
أبو الفرج : هذا إذا دعي ليتحمل ، فأما إذا أتاه المحمل ، فليس للتحمل - والحالة هذه - أجرة ، وليس
[ ص: 276 ] له أن يأخذ شيئا ، ومقتضى قولنا : له طلب الأجرة إذا دعي للتحمل أن يطلب الأجرة إذا دعي للأداء ، سواء كان القاضي معه في البلد أم لا ، كما لا فرق في التحمل ، وأن يكون النظر إلى الأجرة مطلقا لا إلى أجرة المركوب ونفقة الطريق خاصة ، ثم هو يصرف المأخوذ إلى ما يشاء ، ولا يمنع ذلك كون الأداء فرضا عليه كما ذكرنا في التحمل مع تعينه على الأصح .
قلت : هذا الذي أورده
الرافعي - رحمه الله - ضعيف مع أنه خلاف قول الأصحاب كما سبق ، فإن فرض من يحتاج إلى الركوب في البلد ، فهو محتمل ، والوجوب ظاهر حينئذ . والله أعلم .
فرع
كتابة الصكوك هل هي فرض كفاية ، أم مستحب ؟ وجهان أصحهما الأول ، وبه قطع
السرخسي ، فإن قلنا : مستحبة أو فرض ، ولم يتعين لها شخص ، فله طلب الأجرة . وإن تعين ، فكذلك على الأصح ، هذا إذا لم يرزق الكاتب من بيت المال لكتابة الصكوك ، فإن رزق لذلك ، فلا أجرة .