الباب الخامس في
الشهادة على الشهادة
هي مقبولة في غير العقوبات ، كالأموال والأنكحة والبيع ، وسائر العقود ، والفسوخ ، والطلاق ، والعتاق ، والرضاع ، والولادة ، وعيوب النساء سواء حق الآدمي ، وحق الله تعالى ، كالزكاة ووقف المساجد ، والجهات العامة .
وأما العقوبات ، فالمذهب القبول في القصاص ، وحد القذف ، والمنع في حدود الله تعالى . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12847ابن القاص : والإحصان كالحد . ولو
شهد اثنان على شهادة آخرين أن الحاكم حد فلانا ، قبلت بلا خلاف ، ذكره
ابن الصباغ ؛ لأنه حق آدمي فإنه إسقاط حد عنه ، ثم في الباب أربعة أطراف :
( الأول )
في تحملها وإنما يجوز التحمل إذا علم أن عند الأصل شهادة جازمة بحق ثابت ، ولمعرفته أسباب ، أحدها أن يسترعيه الأصل ، فيقول : أنا شاهد بكذا ، وأشهدتك على شهادتي ، أو يقول : أشهدك أو اشهد على شهادتي بكذا ، أو يقول : إذا استشهدت على شهادتي ، فقد أذنت لك في أن تشهد ، أما إذا سمع إنسانا يقول : لفلان على فلان كذا ، أو اشهد أن لفلان على فلان كذا ، لا على صورة أداء الشهادة ، فلا يجوز أن يشهد على شهادته ؛ لأن الناس قد يتساهلون في إطلاق ذلك
[ ص: 290 ] على عدة ونحوها ، وكذا لو قال : عندي شهادة بكذا فلو قال : عندي شهادة مجزومة أو شهادة أثبتها أو لا أتمارى فيها وما أشبه ذلك ، فوجهان ، أصحهما وأوفقهما لإطلاق الأكثرين : المنع أيضا . ويشترط تعرض الأصل للفظ الشهادة ، فلو قال : أعلم ، أو أخبر ، أو أستيقن ، لم يكف كما لو أتى الشاهد عند إقامة الشهادة بهذه الألفاظ ، فإن القاضي لا يحكم بها ، قال الإمام : وأبعد بعض الأصحاب ، فأقام اللفظ الذي لا تردد فيه مقام لفظ الشهادة ، ولا يشترط أن يقول في الاسترعاء : أشهدك على شهادتي ، وعن شهادتي ، لكنه أتم ، فقوله : أشهدك على شهادتي تحميل ، وقوله : عن شهادتي إذن في الأداء كأنه قال : أدها عني ، ولإذنه أثر ، ولهذا لو قال بعد التحمل : لا تؤد عني امتنع عليه الأداء ، وقيل : يشترط ذلك في الاسترعاء ، حكاه
ابن الصباغ ، وإذا حصل الاسترعاء ، لم يختص التحمل بمن استرعاه .
السبب الثاني : أن يسمعه يشهد عند القاضي أن لفلان على فلان كذا ، فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه ؛ لأنه لا يتصدى لإقامة الشهادة عند القاضي إلا تحقق الوجوب ، وللقاضي أيضا أن يشهد على شهادته عند قاض آخر ، والشهادة عند المحكم كالشهادة عند القاضي سواء جوزنا التحكيم أم لا ، وقال
الإصطخري : إنما تجوز إذا جوزناه ، والصحيح الأول ؛ لأنه لا يشهد عند المحكم إلا وهو جازم بثبوت المشهود به .
[ ص: 291 ] السبب الثالث : أن يبين سبب الوجوب ، فيقول : أشهد أن لفلان على فلان كذا من ثمن مبيع ، أو قرض ، أو أرش جناية ، فتجوز الشهادة على شهادته ، وإن لم يشهد عند القاضي ، ولم يؤخذ منه استرعاء ؛ لأن الإسناد إلى السبب يقطع احتمال الوعد والتساهل ، هذا ما يوجد لعامة الأصحاب ، ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=11972الشيخ أبو حاتم القزويني وجها أن الإسناد إلى السبب لا يكفي للتحمل ، ووجها أن الشهادة عند القاضي لا تكفي أيضا ، بل يشترط الاسترعاء ، والصحيح ما سبق .
فرع
إذا قال : علي لفلان ألف ، فوجهان ، قال
أبو إسحاق : لا يجوز أن يشهد عليه بهذا القدر ، بل يشترط مع ذلك قرينة تشعر بالوجوب بأن يسنده إلى سبب ، فيقول : من ثمن مبيع ، أو يسترعيه ، فيقول : فاشهد علي به ، والثاني وهو الصحيح : أن مجرد الإقرار كاف للتحمل بخلاف الشهادة على الشهادة ؛ لأن الشهادة يعتبر فيها ما لا يعتبر في الإقرار ، ولهذا يقبل إقرار الفاسق والمغفل والمجهول دون شهادتهم .