الطرف الثالث : في الحالف ، وهو كل من يتوجه عليه دعوى صحيحة ، وقيل : كل من توجهت عليه دعوى لو أقر لمطلوبها ألزم به ، فإذا أنكر ، حلف عليه ، وقبل منه ، ويستثنى عن هذا الضبط صور ، فنذكرها مع ما يدخل فيه ويخرج منه ، إحداها : يجزئ التحليف في النكاح والطلاق والرجعة والفيئة ، وفي الإيلاء ، وفي العتق والاستيلاد ، والولاء ، والنسب ، ولا تسمع دعوى في حدود الله تعالى ، ولا بطلب الجواب ؛ لأنها ليست حقا للمدعي ، فإن تعلق به حق آدمي ، بأن قذفه ، فطلب حد القذف ، فقال القاذف : حلفوه أنه لم يزن
[ ص: 38 ] فالأصح أنه يحلف ، كما سبق في المسألة الثالثة من الباب الأول ، فإن حلف أقيم على القاذف ، وإن نكل ، وحلف القاذف ، سقط حد القذف ، ولا يثبت بحلفه حد الزنى على المقذوف . ولو ادعى سرقة ماله ، سمعت دعواه للمال ، وحلف المدعى عليه ، فإن نكل حلف المدعي ، واستحق المال ، ولا يقطع المدعى عليه ؛ لأن حدود الله تعالى لا تثبت باليمين المردودة ، وإذا أقر بما يوجب حدا ، وادعى شبهة بأن
وطئ جارية أبيه ، وقال : ظننتها تحل لي ، وهو ممن يجوز أن يشتبه عليه مثله ، حلف وسقط بحلفه الحد ، ولزم المهر ، وتسمع الدعوى . ويجري التحليف في القصاص وحد القذف ، وكذا في الشتم والضرب الموجبين للتعزير .
الثانية :
ادعى على القاضي أنه ظلمه في الحكم ، أو على الشاهد أنه تعمد الكذب أو الغلط ، أو ادعى عليه ما يسقط شهادته ، لم يحلفا لارتفاع منصبهما عن التحليف ، وقد سبق هذا في الباب الأول ، وفي أول أدب القضاء ، ولو ادعى على المعزول أنه حكم أيام قضائه عليه ظلما ، وأنكر ، فقد سبق وجهان في أنه يحلف أم يصدق بلا يمين وهو الأصح ، هذا في دعوى تتعلق بالحكم ، وأما ما لا يتعلق بالحكم ، كدعوى مال وغيره ، فهو كسائر الناس في الخصومات الشرعية يحكم فيها بينه وبين المدعي خليفته ، أو قاض آخر .
الثالثة :
الصبي إذا ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت الإمكان ، صدق بلا يمين ، كما سبق في الإقرار ، ومن ادعي عليه بشيء ، فقال : أنا صبي بعد وهو محتلم ، لم يحلف ، وتوقف الخصومة حتى يبلغ ، وإن وقع في السبي من أنبت ، وقال : استنبت الشعر بالعلاج ، وأنا غير
[ ص: 39 ] بالغ ، بني على القولين السابقين في الحجر أن إنبات العانة نفس البلوغ أم علامته ، وإن قلنا بالأول ، فلا حاصل لكلامه ، وإن قلنا بالثاني وهو الأظهر فالمنصوص المعروف في المذهب أنه يحلف وهو مشكل من جهة أنه يدعي الصبي ، وتحليف من يدعي الصبي لا وجه له ، كما سبق في الإقرار ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان والقفال : هذا التحليف احتياط واستظهار ، ومقتضى كلام الجمهور أنه واجب ، وصرح به
الروياني ، ونفى الخلاف فيه ، واعتمدوا في تحليفه الإنبات ، وقالوا : كيف نترك الدليل الظاهر بزعم مجرد ؟ فإذا حلف ألحق بالصبيان ، وحقن دمه ، وإن نكل فالمنصوص أنه يقتل ، والثاني : يخلى ، والثالث : يحبس حتى يحلف أو يقر ، والرابع : يحبس حتى يتحقق بلوغه ، ثم يحلف على ما ادعاه من الاستعجال ، فإن لم يحلف قتلناه .
الرابعة :
ادعى رجل دينا على ميت ، أو أنه أوصى له بشيء ، وللميت وصي في قضاء دينه ، وتنفيذ وصاياه ، فأنكر ، فإن كان للمدعي بينة حكم بها ، وإن لم يكن وأراد تحليف الوصي على نفي العلم ، لم يمكن ؛ لأن مقصود التحليف أن يقر ، والوصي لا يقبل إقراره بالدين والوصية ، فلا معنى لتحليفه ، فلو كان وارثا حلف بحق الوراثة ، وقيم القاضي كالوصي .
فرع
على إنسان حق لرجل ، فطلبه به رجل ، وزعم أنه وكيل المستحق ، ولم يقم بينة ، وأراد تحليفه على نفي العلم بالوكالة ، لم يكن له ؛ لأنه لو اعترف بالوكالة ، لم يلزمه تسليم الحق ، هذا هو المذهب ، وسبق في الوكالة وجه أنه يلزمه التسليم ، وعلى هذا له تحليفه ، وإن
[ ص: 40 ] له تحليفه ، وإن لم يلزمه التسليم باعترافه إذا قلنا : اليمين المردودة كالبينة .
فرع
هل للوكيل بالخصومة إقامة بينة على وكالته من غير حضور الخصم ؟ وجهان ، حكاهما الإمام ، عن
القاضي حسين اشتراطه ، وغيره منعه ، وقد سبق في الوكالة أن الإمام حكى عن
القاضي حسين أنه إذا كان الخصم غائبا ، نصب الحاكم مسخرا عنه ، كان المراد هنا إذا كان حاضرا في البلد ، وهناك إذا كان غائبا ، والأصح سماع البينة من غير حاجة إلى حضوره ، ولا إلى نصب مسخر ، ولو وكل بالخصومة في مجلس الحكم ، استغنى عن حجة يقيمها إن كان الخصم حاضرا فإن لم يكن ، فيبنى على أن القاضي هل يقضي بعلمه ؟