المسألة الثالثة :
سيد قال لعبده : إن قتلت ، فأنت حر ، وتنازع بعده العبد والوارث ، وأقام العبد بينة أنه قتل ، والوارث بينة أنه مات حتف أنفه ، فقولان ، أظهرهما : تقدم بينة العبد ، ومنهم من قطع به ؛ لأن معها زيادة علم بالقتل . والثاني : يتعارضان ، للمنافاة بينهما . فعلى هذا إن قلنا بالسقوط ، فكأنه لا بينة ، فيحلف الوارث ، ويستمر الرق . وإن قلنا بالقسم عتق نصفه ، أو بالقرعة إن خرجت له ، ورق إن خرجت للوارث ، ولا يخفى الوقف . وإذا قدمنا بينة القتل فلا قصاص ؛ لأن الوارث ينكره . وإن
قال : إن مت في رمضان فعبدي حر ، وأقام العبد بينة أنه مات في رمضان ، والوارث بينة أنه مات في شوال ، فعلى القولين أحدهما : التعارض ، وأظهرهما : تقدم بينة العبد ، لزيادة العلم بحدوث الموت في رمضان . وقال
المزني : تقدم بينة الوارث ؛ لأن معها زيادة علم ، وهي بقاء الحياة إلى شوال . ومن حقه أن يطرد في نظائره المسألة السابقة واللاحقة . ولو أقام الوارث البينة أنه مات في شعبان ، فالقياس مجيء الخلاف وانعكاس القول الثاني
[ ص: 82 ] وقول
المزني . ولو حكم القاضي بشهادة شاهدي رمضان ، ثم شهد آخر أنه مات في شوال ، فهل ينقض الحكم ، ويجعل كما لو شهدت البينتان معا ؟ خرجه
ابن سريج على قولين ، كما لو بان فسق الشهود بعد الحكم .
فرع
قال لسالم : إن مت في رمضان فأنت حر ، ولغانم : إن مت في شوال فأنت حر ، وأقام كل واحد بينة تقتضي حريته ، فقولان ، أحدهما : لا للتعارض ، والثاني : تقدم بينة سالم ؛ لأن معها زيادة علم وهي حدوث الموت في رمضان . وقال
المزني وابن سريج : تقدم بينة غانم . فإن قلنا بالتعارض ، فعلى السقوط يرق العبدان ، وعلى القسمة يعتق من كل عبد نصفه ، ولو
قال لسالم : إن مت من مرضي فأنت حر ، وقال لغانم : إن برئت منه فأنت حر ، وأقام سالم بينة بموته ، وغانم بينة ببرئه ، فهل تقدم بينة سالم أم غانم ، أم يتعارضان ؟ أوجه ، أصحهما : الثالث ، فيكون على الخلاف السابق في التعارض . وقيل : إذا وجد التعارض في مثل هذا غلبت الحرية .
قلت : معنى تغليبها أنه لا يحكم بسقوط البينتين . والله أعلم .