الباب السابع في
دعوى النسب وإلحاق القائف :
مقصود الباب الكلام في
القائف وشرطه . أما الاستلحاق وشروطه فسبق ذكره في كتاب الإقرار واللقيط . وفي الباب ثلاثة أركان : الأول : المستلحق ، وقد سبق في كتاب اللقيط أن المذهب صحة استلحاق العبد والعتيق دون المرأة على الأصح ، وسبق هناك جمل من أركانه .
الركن الثاني : الملحق ، وهو
القائف ، وليكن فيه صفات بعضها واجب قطعا ، وبعضها مختلف فيه ، فيشترط فيه أهلية الشهادة ، فيكون مسلما بالغا عاقلا عدلا ، والأصح اشتراط حريته وذكورته ، وأنه يكفي واحد ، ونص عليه . وقيل : يشترط اثنان . وأنه لا يشترط كونه من مدلج ، بل يجوز من سائر العرب ومن العجم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج : ولا يجوز أن يكون أعمى ، ولا أخرس ، قال : ولو كان ابن أحد المتداعيين ، فألحقه بغير أبيه ، قبل ، وإن ألحقه بأبيه ، لم يقبل . ولو كان عدو أحدهما ، فألحقه به ، قبل . وإن ألحقه بالآخر ، فلا ; لأنه
[ ص: 102 ] كالشهادة على العدو . ولو كان القاضي قائفا ، فهل يقضي بعلمه ؟ فيه الخلاف في القضاء بعلمه ، ويشترط كونه مجربا . وكيفية التجربة : أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه ، ثم في نسوة ليس فيهن أمه ، ثم في نسوة ليس فيهن أمه ، فإذا أصاب في الكل ، صار مجربا ، وقبل قوله بعد ذلك .
وهل تختص التجربة بالأم ، أم يجوز أن يعرض عليه المولود مع أبيه في رجال ؟ وجهان ، الأصح المنصوص : الثاني ، وبه قطع العراقيون وغيرهم ، لكن العرض مع الأم أولى . وأما تكرار العرض ثلاثا ، فقد جعله الشيخ
أبو حامد وأصحابه شرطا . وقيل : يكفي مرة ، وقال الإمام : لا معنى لاعتبار الثلاث ، بل المعتبر غلبة الظن ، بأقواله عن خبرة لا عن اتفاق ، وهذا قد يحصل بدون الثلاثة . وإذا حصلت التجربة ، اعتمدنا إلحاقه ، ولا تجدد التجربة لكل إلحاق .
الركن الثالث : الولد الملحق ، ويعرض على القائف في موضعين : أحدهما : أن يتنازع اثنان مولودا مجهولا من لقيط أو غيره ، فيعرض على القائف كما سبق في اللقيط . والثاني : أن يشترك اثنان فأكثر في وطء امرأة ، فتأتي بولد لزمان يمكن كونه منهما ، ويدعيه كل منهما فيعرض على القائف . ويتصور الاشتراك في الوطء على الوجه المذكور من وجوه . منها : أن يطأها كل منهما بالشبهة بأن يجدها بفراشه ، فيظنها زوجته أو أمته ، فلو كانت في نكاح صحيح فوطئت بشبهة ، فوجهان ، قال القاضي
أبو الطيب وابن الصباغ : يلحق الولد بالزوج ; لأنها فراشه ، والفراش أقوى من الشبهة ، كما لو طلقها وانقضت عدتها ، ونكحت ، وولدت تلحق بالثاني وإن أمكن كونه من الأول ; لأنها فراش الثاني ، والأصح على ما ذكره
الروياني وغيره ، وبه قطع الإمام :
[ ص: 103 ] أنه يعرض على القائف ، ويكون لمن ألحقه به ، بخلاف صورة الاستشهاد لأن العدة أمارة ظاهرة في البراءة عن الأول ، وهنا بخلافه .
ومنها : أن يطأ زوجته في نكاح صحيح ، ثم طلقها ، فيطأها آخر بشبهة ، أو في نكاح فاسد ، بأن ينكحها في العدة جاهلا بها .
ومنها : أن يطأها اثنان في نكاحين فاسدين ، وأن يطأ الشريكان المشتركة ، وأن يطأ أمته ويبيعها ، فيطأها المشتري ، ولا يستبرئ واحد منهما . فإذا وطئ اثنان في بعض هذه الصور في طهر ، فولدته لما بين أربع سنين وستة أشهر من الوطأين ، وادعياه جميعا ، عرض على القائف ، فإن تخلل بين الوطأين حيضة ، فهي أمارة ظاهرة في حصول البراءة عن الأول ، فينقطع تعلقه ، إلا أن يكون الأول زوجا في نكاح صحيح ، والثاني واطئا بشبهة أو نكاح فاسد ، فلا ينقطع تعلق الأول ; لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح قائم مقام نفس الوطء والإمكان حاصل بعد الحيضة . وإن كان الأول زوجا في نكاح فاسد ، ففي انقطاع تعلقه بتخلل الحيضة قولان ، أظهرهما : الانقطاع ; لأن المرأة لا تصير فراشا في النكاح الفاسد إلا بحقيقة الوطء ، وسواء كان المتنازعان والواطئان مسلمين وحرين ، أو مختلفي الحال .