فروع
في مسائل منثورة :
شهدا أنه قال : أحد هذين العبدين حر ، أو أنه أوصى بإعتاق أحدهما ، أو أنه قال : إحدى هاتين المرأتين طالق ، يقبل ، ويحكم بمقتضى شهادتهما ، ولو
ولدت المزني بها ولدا ، وملكه الزاني لم يعتق عليه ، وقال
أبو حنيفة : يعتق . ولو قال لعبده : أنت حر كيف شئت ، قال
أبو حنيفة : يعتق في الحال ، وقال صاحباه : لا يعتق حتى يشاء ، وقال
ابن الصباغ : وهو الأشبه .
ولو
أوصى بإعتاق عبد يخرج من الثلث ، لزم الوارث إعتاقه ، فإن امتنع ، أعتقه السلطان . ولو كان له عبد مقيد ، فحلف بعتقه أن في قيده عشرة أرطال ، وحلف بعتقه لا يحله هو ولا غيره ، فشهد عند القاضي شاهدان أن قيده خمسة أرطال ، وحكم القاضي بعتقه ، ثم حل القيد فوجد فيه عشرة أرطال ، قال
ابن الصباغ : لا شيء على الشاهدين ; لأن العتق حصل
[ ص: 157 ] بحل القيد دون الشهادة ، لتحقق كذبهما . قال
ابن الحداد : ولو
شهد شاهدان أنه أعتق في مرضه هذا العبد ، أو أوصى بعتقه ، وحكم القاضي بشهادتهما ، وشهد آخران أنه أعتق عبدا آخر ، وكل واحد منهما ثلث ماله ، ثم رجع الأولان ، لم يرد القضاء بعد نفوذه ، بل يقرع بينهما ، فإن خرجت القرعة للأول ، عتق ، وعلى الشاهدين الغرم للرجوع ، ويرق الثاني ، وحينئذ يحصل للورثة التركة كلها ، وإن خرجت للثاني ، عتق ، ورق الأول ، ولا شيء على الراجعين ; لأن من شهدا به لم يعتق ، واعترض
ابن الصباغ ، فقال : ينبغي أن يعتق الثاني بكل حال ، ويقرع بينهما لمعرفة حال الأول ، فإن خرجت القرعة له ، أعتق أيضا ، وغرم الراجعان .
فرع
قال
ابن الحداد : لو زوج أمته بعبد غيره ، وقبض مهرها ، وأتلفه ، ومات ولا مال غيرها ، ولم يدخل الزوج بها ، فأعتقها الوارث ، نفذ إعتاقه . قال الشيخ
أبو علي : تقدم على هذا فصلين أحدهما : إذا
أعتق الوارث عبد التركة ، وعلى الميت دين ، نظر ، إن كان الوارث معسرا ، لم ينفذ العتق ، هكذا قطع به الشيخ . وعن الشيخ
أبي محمد أنه على الخلاف في إعتاق الراهن ، وضعفه الإمام . وإن كان موسرا ، فوجهان ، أحدهما وبه قال
ابن الحداد : ينفذ ، وينتقل الدين إلى مال الوارث ، كما لو أعتق السيد الجاني ، هذا لفظ الشيخ ، ونقل الإمام عنه أنا إذا أنفذنا العتق ، نقلنا الدين إلى ذمة الوارث إذا
[ ص: 158 ] لم يخلف سوى العبد ، قال : وكنت أرى الأمر كذلك ، فالدين لا يتحول إلى ذمة الوارث قط ، لكنه بالإعتاق متلف للعبد ، فعليه أقل الأمرين من الدين ، وقيمة العبد .
والثاني : أنه موقوف ، فإذا أدى الوارث الدين من ماله ، تبين نفوذ العتق ، وإلا بيع العبد في الدين ، وبان أن العتق لم ينفذ . ولو
باع الوارث التركة بغير إذن الغرماء لم ينفذ بيعه إن كان معسرا ، وإن كان موسرا ، ففيه أوجه ، أحدها : لا ينفذ كالمرهون ، والثاني : ينفذ ، والثالث : موقوف ، كالعتق .
قال الإمام ويجيء مما حكاه الشيخ
أبو محمد قول أنه يصح بيع الوارث التركة إن كان معسرا كالجاني . قال : وذكر
أبو علي تفريعا على صحة البيع أن الثمن يصرف إلى الغرماء ، وأن المشتري لو دفع الثمن إلى الوارث فتلف في يده ، كان للغرماء تغريم المشتري . قال الإمام : والوجه عندي القطع بأنهم لا يطالبون المشتري . وأنا إذا صححنا البيع ، كان كالإعتاق . قال الإمام : ولزوم البيع بعيد ، فإن بيع الجاني وإن صححناه ، لا يلزم ، مع أن تعلق الأرش به أضعف ، فبيع الوارث أولى بأن لا يلزم .
واعلم أن جميع هذا تفريع على أن الدين لا يمنع الإرث ، فإن قلنا : يمنعه ، فالتركة باقية على ملك الميت ، فلا يصح التصرف للوارث بحال . والحاصل أن المذهب نفوذ العتق من الوارث الموسر ، ومنع البيع .
الفصل الثاني : ذكرنا في النكاح أن الأمة إذا عتقت تحت عبد ، فلها الخيار ، فإن فسخت قبل الدخول ، سقط كل المهر ، وعلى السيد رده إن كان قبضه .
إذا تقرر الفصلان ، فينفذ العتق في الحال في فرع
ابن الحداد .
[ ص: 159 ] ثم إن كان الوارث معسرا ، فلا خيار لها ; لأنها لو فسخت ، لوجب رد مهرها ، وصار ذلك دينا على الميت ، وذلك يمنع نفوذ العتق من الوارث المعسر ، وإذا لم يعتق ، فلا خيار ، ففي إثبات الخيار بقية والمسألة دورية ، وقد سبق طرف منها في النكاح . وإن كان موسرا ، فإن قلنا : ينفذ عتقه ، فلها الفسخ ، وإذا فسخت صار مهرها دينا ، فيطالبه به المعتق إن كانت قيمتها المهر لتفويته التركة ، وإن كان مهرها أكثر ، لم يطالب إلا بقيمتها ; لأنه لم يفوت إلا ذلك . وإن قلنا : يتوقف نفوذ العتق على أداء الدين ، فلا عتق ولا خيار ، حتى يرد الصداق إلى سيد العبد ، هكذا ذكره الشيخ
أبو علي ، وفيه إشكال ; لأنه لا يثبت لسيد العبد دين ما لم يفسخ ، فكيف يقضي الدين قبل ثبوته .
فرع
مات عن ابن حائز للتركة وهي ثلاثة أعبد قيمتهم سواء ، فقال الابن : أعتق أبي في مرضه هذا ، وأشار إلى أحدهم ، ثم قال : بل هذا وهذا ، يعني الأول وآخر معا ، ثم قال : بل أعتق الثلاثة معا ، قال
ابن الحداد : الأول حر بكل حال ، ويقرع بينه وبين الثاني ، لإقراره الثاني ، ويقرع بين الثلاثة مرة ثانية ، فإذا أقرعنا في المرتين ، فإن خرج سهم العتق للأول فيهما لم يعتق غيره ، وإن خرج للثاني فيهما ، وللأول في الأولى ، وللثاني في الثانية أو بالعكس ، عتقا ، دون الثالث ،
[ ص: 160 ] وإن خرج للأول في الأولى ، وللثالث في الثانية عتقا دون الثاني ، وإن خرج للثاني في الأولى ، وللثالث في الثانية ، عتقوا كلهم . قال الشيخ
أبو علي : ولو كانت قيمتهم مختلفة بأن كانت قيمة الأول مائة ، والثاني المضموم إليه مائتين ، والثالث ثلاثمائة ، فالأول حر بكل حال ، لإقراره الأول ، وهو دون الثلاثة ، فإذا أقرعنا بينه وبين الثاني ، وخرج سهم العتق للأول ، عتق من الثاني أيضا نصفه ، وإن خرج السهم للثاني ، عتق كله . وإذا أقرعنا بين الثلاثة لإقراره الثالث فإن خرج سهم العتق للثالث ، عتق ثلثاه ، وذلك ثلث ماله ، وإن خرج للثاني ، لم يعتق الثالث ، سواء خرجت القرعة الأولى على الثاني ، أو لم تخرج ; لأنه ثلث ماله ، وإن خرجت للأول ، فهو نصف الثلث ، فتعاد القرعة لإكمال الثلث بين الثاني والثالث ، فإن خرجت على الثاني ، رق الثالث ، ولا يعتق من الثاني إلا ما عتق بالقرعة الأولى ، وهو كله أو نصفه ، وإن خرجت على الثالث ، عتق ثلثه .
ولو كانت قيمة الأول ثلاثمائة ، والثاني مائتين ، والثالث مائة ، عتق من الأول ثلثاه ، ثم يقرع بينه وبين الثاني ، فإن خرج سهم العتق للأول ، لم يرد شيء ، وإن خرج للثاني ، عتق كله ، ثم يقرع بين الثلاثة ، فإن خرج للأول أو الثاني ، لم يرد شيء على ما عتق ، وإن خرج للثالث ، عتق كله .
فرع
مات عن ثلاثة بنين ، وله ثلاثة أعبد ، قيمتهم سواء ، فأقر أحد البنين أن أباه أعتق في مرضه هذا العبد ، وأقر آخر أنه أعتقه مع هذا الآخر ، وأقر الثالث أنه أعتق الثلاثة معا ، عتق الأول ; لأن أحد البنين أقر بعتقه ، فنفذ في حصته وهي ثلثه ، ثم يقرع بينه وبين المضموم إليه ، لإقرار الثاني ، فإن خرج سهم العتق للأول ، عتق منه ثلث آخر ، وهو حصة المقر ، وإن خرج للثاني ، عتق ثلثه لهذا المعنى ، ثم يقرع بين الثلاثة فمن خرج له سهم العتق ، عتق كله . وإذا حكمنا بعتق بعض
[ ص: 161 ] عبد ، فلا سراية ، لأنهم لم يباشروا الإعتاق ، ولا أقروا به على أنفسهم . ومن أعتقنا بعضه بإقرار أحد البنين إذا وقع القسمة في نصيب ذلك المقر ، أو صار له بوجه آخر ، حكم عليه بعتقه ، لإقراره بأنه حر كله .