[ ص: 286 ] الحكم الرابع : في
ولد المكاتبة : فإذا كاتب أمة لها ولد ، فالولد باق على ملك السيد ، فإن شرط دخوله في عقد الكتابة فسدت ، فإن أدت عتق الولد أيضا بموجب التعليق .
وإن كان في يدها مال ، وشرط أن يكون المال لها ، فهو جمع بين البيع والكتابة بعوض واحد . وإن كانت حاملا ، وتيقنا الحمل بانفصاله لدون ستة أشهر ، فإن قلنا : الحمل لا يعرف ، فهو كالولد الحادث بعد الكتابة ، وسنذكره إن شاء الله تعالى قريبا .
فإن قلنا : يعرف ، فوجهان . أصحهما : أن عقد الكتابة متوجه إليهما ، فإذا عتقت عتق .
والثاني : لا يثبت للولد كتابة ، وإن حدث الولد بعد الكتابة ، فإن كان من السيد ، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى .
وإن كان من أجنبي بزنا أو نكاح ، فهل ثبتت له الكتابة ؟ قولان . أظهرهما وأحبهما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وهو نصه في " المختصر " : تثبت ، فيعتق بعتق الأم بالأداء أو الإبراء أو الإعتاق .
وقطع
أبو إسحاق بهذا القول ، وقال : إذا اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كان الآخر ساقطا ، واتفق الأصحاب على أنه لا يدخل في الكتابة ، ولا يطالبه بشيء من النجوم ؛ لأنه لم يوجد منه التزام .
ولو عجزت المكاتبة ، أو ماتت ، بطلت الكتابة ، وكان الولد رقيقا للسيد بلا خلاف .
ولو فسخت الكتابة ، ثم عتقت لم يعتق الولد قطعا ؛ لأنه إنما يعتق بعتقها لجهة الكتابة ، فإن قلنا : لا يثبت الولد حكم الكتابة فهو قن للسيد بيعه وإعتاقه عن الكفارة ، والوطء إن كان الولد أمة ولا يعتق بعتق الأم .
وإن قلنا : يثبت ، فحق الملك فيه لمن [ هو ] فيه قولان .
أظهرهما عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - : أنه للسيد كما أن حق الملك في الأم له ، وكولد أم الولد .
والثاني : أنه للمكاتبة ؛ لأنه يتكاتب عليه ، ولأنه لو كان للسيد لما عتق بعتقها . ويتفرع على القولين صور .
[ ص: 287 ] منها : إذا قتل الولد ، فعلى القول الأول : القيمة للسيد وعلى الثاني : للمكاتب . وقيل : للسيد أيضا .
ومنها : كسب الولد وأرش الجناية على أطرافه ، ومهر وطء الشبهة إن قلنا بالقول الثاني ، فهي للأم يستعين بها في كتابتها ، ويصرف ما يحصل إليها يوما يوما بلا توقف .
وإن قلنا بالأول ، فوجهان .
أحدهما : يصرف إلى السيد بلا توقف ، كما تصرف إليه القيمة .
والصحيح : التوقف ، فإن عتقت وعتق الولد فهي له ، وإلا فللسيد . فلو أرقت نفسها مع القدرة على أداء النجوم ، فقال الولد : أنا أؤدي نجومها من كسبي لتعتق فأعتق ، قال الإمام : لا يمكن منه ؛ لأنه تابع لا اختيار له في العتق .
وإن عجزت ،
فأرادت أن تأخذ من كسب ولدها الموقوف ، وتستعين [ به ] في أداء النجوم ، فهل تجاب ؟ قولان أظهرهما : المنع ، إذ لا حق لها في كسبه ، فإن مات الولد في مدة التوقف ، صرف الموقوف إلى السيد .
ومنها : نفقة الولد وهي على السيد . إن قلنا : يصرف الكسب إليه في الحال . وإن قلنا : يوقف أنفق عليه من كسبه ، ويعالج جرحه ، ويكفي مؤناته فما فضل فهو الذي يوقف ، فإن لم يكن له كسب أو لم يف بالنفقة ، فالنفقة على السيد على الأصح ؛ لأن الملك له .
وقيل : في بيت المال ؛ لأن تكليفه النفقة بلا كسب إجحاف به . وإن قلنا : الكسب للأم ، فالنفقة عليها .
ومنها : لو
أعتق السيد الولد ، فإن قلنا : الملك له ، وإن الكسب يصرف إليه في الحال ، أو قلنا : يوقف ومنعناها من أخذه لأداء النجوم ، نفذ إعتاقه ، وإن جوزنا لها الاستعانة بالموقوف ، لم ينفذ
[ ص: 288 ] إعتاقه على الأصح ؛ لئلا ينقطع حقها من كسبه وإن قلنا : الملك لها ، لم ينفذ إعتاقه .
فرع
لو
رق الولد برق الأم فكسبه للسيد ، سواء قلنا : الملك فيه للسيد ، أم للأم .
فرع
ولد المكاتب من جاريته حق الملك فيه للمكاتب قطعا فيصرف كسبه إليه ، ولا ينفذ إعتاق السيد فيه ، ونفقته على المكاتب ؛ لأنه ولد أمته ، وهي ملكه .
ولو
ولدت أمته من نكاح أو زنى فهم عبيده كسائر أكسابه ، فكذا هذا الولد إلا أنه لا يتبعه ، بل يتكاتب عليه بالقرابة ، فيعتق بعتقه ، ويرق برقه .
وإذا عتق المكاتب ، وتبعه هذا الولد وله كسب ، فكسبه للمكاتب ، لا للولد . ولو
جنى هذا الولد ، وتعلق الأرش برقبته ، فقد حكى الإمام عن العراقيين : أنه إن كان له كسب ، فله أن يفديه من كسبه وإلا فله أن يبيعه كله وإن زاد على قدر الأرش ، ثم يصرف قدر الأرش إلى المجني عليه ويأخذ الباقي ، ثم غلط الإمام من صار إليه ، وقال : الصحيح أنه لا يفدي ولده لأن كسب الولد كسائر أموال المكاتب ، والفداء كالشراء وليس له صرف المال الذي يملك التصرف فيه إلى غرض ولده الذي لا يملك التصرف فيه ؛ لأنه [ تبرع ] ، قال : والصحيح أنه إن باع لا يبيع إلا قدر الأرش كما لا يباع من المرهون إذا جنى إلا قدر الأرش . وإذا
[ ص: 289 ] فداه لا ينفذ تصرفه فيه ، بل يتكاتب عليه ، كما لا ينفذ إذا اشتراه .
وولد المكاتبة من عبدها يشبه أن يكون كولد المكاتب من جاريته .
فرع
اختلف السيد والمكاتب في ولدها ، وقال : ولدته قبل الكتابة ، فهو رقيق ، وقالت : بعدها ، وقد يكاتب تفريعا على الأظهر ، وكل واحد من الأمرين محتمل ، فإن كان بينة قضي بها . قال
البغوي : ولو أقام السيد أربع نسوة قبلن ؛ لأنها شهادة على الولادة ، ويثبت الملك ضمنا .
وإن أقاما بينتين تعارضتا . وإن لم يكن بينة ، صدق السيد بيمينه ؛ لأنه اختلاف في وقت الكتابة ، فصدق فيه كأصلها .
فرع
زوج عبده بأمته [ ثم كاتبه ] ثم باعها له . وولدت ، فقال السيد : ولدت قبل الكتابة ، فهو قن لي . وقال المكاتب : بعد الشراء ، وقد تكاتب ، صدق [ المكاتب ] بيمينه ، بخلاف ما سبق في الفرع قبله ؛ لأن المكاتب هنا يدعي ملك الولد كما سبق أن ولد أمته ملكه ، ويده مقرة على هذا الولد ، وهي تدل على الملك ، والمكاتبة هناك لا تدعي الملك ، بل تدعي ثبوت حكم الكتابة فيه .
فرع
حكى
الصيدلاني : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - قال :
لو أتت المكاتبة بولدين أحدهما : قبل الكتابة ، والآخر : بعدها ، فهما للسيد ؛
[ ص: 290 ] لأنه حمل واحد ، وكذا لو أتت بأحدهما لدون ستة أشهر من حين ملكها ، وبالآخر لأكثر ، فهما للسيد .
وإن
أبا زيد أفتى بذلك ، والصحيح أن كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مؤول ، وأن الحمل يتبع الأم في البيع كيف كان ، حتى لو
وضعت ولدا وفي بطنها آخر فباعها فالولد الثاني مبيع معها ، والأول للبائع ، وهذا ما ذكره
البغوي .